للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: الفناء مصدر فني يفنى فناء إذا اضمحل وتلاقى وعدم، وقد

يطلق على ما تلاشت قواه وأوصافه مع بقاء عينه كما قال الفقهاء لا يقتل في المعركة شيخ فان. وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أي هالك ذاهب وأما معناه في كلام الصوفية فيراد به ثلاثة أمور الفناء عن إرادة السوى، والفناء عن شهود السوى والفناء عن وجود السوى، وقد بين المؤلف، الأول بقوله: "أحدها الفناء الديني الشرعي الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وهو أن يفنى عن ما لم يأمره الله به بفعل ما أمره الله به" ومعنى هذا أن القلب يفنى عن إرادة ما سوى الرب وهو في الحقيقة عبادة القلب وتوكله واستعانته وتألهه وإنابته وتوجهه إلى الله وحده لا شريك له، وليس لأحد خروج عن هذا، وهو ترجمة قول لا إله إلا لله وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن"، وبهذا الفناء يكون العبد غير متبع هواه بغير هدى من الله بل يكون على هدى مستقيم، ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما يوضح ذلك آية براءة وحديث أنس الذي رواه البخاري ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه" وهذا في الجملة هو أول الدين وآخره وهو حقيقة الإخلاص وليس لأحد خروج عنه. وبين الثاني بقوله: "فهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله بحيث يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى" يعني أن الواحد منهم يغيب عن سوى مشهوده فيغيب حتى عن نفسه وشهودها لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبموجوده عن وجوده وبمحبوبه عن حبه، وهذا الفناء هو الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين ويعدونه الغاية، وهو الذي بنى عليه أبو إسماعيل الأنصاري كتابه "منازل السائرين" وجعله الدرجة الثالثة في كل باب من أبوابه، وليس مراد القوم فناء وجود ما سوى الله في الخارج بل مرادهم فناؤه عن شهودهم وحسهم، وقد يغلب شهود القلب لمحبوبه ومذكوره حتى يغيب به ويفنى به فيظن أنه اتحد به

<<  <  ج: ص:  >  >>