وامتزج بل يظن أنه هو نفسه كما يحكى "أن محبوبا وقع في اليم فألقى المحب نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فأنت ما الذي أوقعك؟، فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني"، وصاحب هذا الحال إذا عاد إليه عقله يعلم أنه كان غالطا في ذلك وأن الحقائق متميزة في ذاتها، فالرب رب والعبد عبد والخالق خالق بائن عن المخلوقات ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا شك أن شهود العبد قيامه بالعبودية أكمل في العبودية من غيبته عن ذلك، فإن أداء العبودية في حال غيبة العبد عنها وعن نفسه بمنزلة أداء السكران والنائم. وأداؤها في حال كما يقظته وشعوره بتفاصيلها وقيامه بها أتم وأكمل وأقوى عبودية، قال ابن القيم:"فتأمل حال عبدين في خدمة سيدهما أحدهما يؤدي حقوق خدمته في حال غيبته عن نفسه وعن خدمته لاستغراقه بمشاهدة سيده، والآخر يؤديها في حال كمال حضوره وتمييزه وإشعار نفسه بخدمة السيد وابتهاجها بذلك فرحا بخدمته وسرورا والتذاذا منه واستحضارا لتفاصيل الخدمة ومنازلها وهو مع ذلك عامل على مراد سيده منه لا على مراده من سيده فأي العبدين أكمل" ولاشك أن هذا حال ناقص يحصل أحيانا لبعض السائرين إلى الله وليس هذا الحال الناقص من مقتضيات سلوك الدرب الموصل إلى الله بل ذلك عارض يعرض لبعض الناس فيكون به أدنى مرتبة من غيره {فإن هذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا حالا من أحواله، ولهذا في ليلة المعراج لما أسرى به وعاين ما عاين مما أراه الله إياه من آياته الكبرى لم تعرض له هذه الحال بل كان كما وصفه لله عز وجل بقوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم وهم سادات العارفين زائمة الواصلين المقربين وقدوة السالكين لم يكن منهم من ابتلي بذلك ولا شم له رائحة ولم يخطر على قلبه فلو كان هذا الفناء كمالا لكانوا هم أحق به وأهله وكان لهم منه ما لم يكن لغيرهم"، وحينئذ فهذا الفناء هو كما قال الشيخ: "هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض فيكون من جعله نهاية السالكين ضالا ضلالا مبينا كما أن من جعله من لوازم طريق