فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ، قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ، وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ، قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وحينئذ فمن ارتكب معاصي الله وتمرد عن طاعته وأصر على ارتكابه المحرمات فقد أشبه عدو أبيه، ومن جعل أباه قدوة له وإماما فسار سيرته واتبع أثره فقد ربح وفاز بسعادة الدنيا والآخرة، كما أن الذي يشبه أباه في خلقته أو سجاياه لم يظلم أمه لأنه جاء على مثال أبيه الذي ينسب إليه، وذلك أنه لو خالف أباه لنسب الناس أمه إلى الزنا وهذا القول مقتبس من بيت رؤبة ابن العجاج يمدح به عدي بن حاتم الطائي وأصله:
بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم
والشاهد من آية الأحزاب أن الله سبحانه عفو كريم، رؤوف بعباده رحيم، يتوب على من تاب وأقلع عن المعاصي وأناب، ومن أجل أن التوبة تمحو الذنب وتقضي عليه نجد أن الله تبارك وتعالى قد ذكر في كتابه العزيز، الاستغفار من الذنوب إلى جانب الأمر بتوحيده وطاعته كما في آية القتال وحم السجدة وهود، والعدو اللدود حريص على إغواء الناس وإضلالهم فهو يتحسر على أنهم أهلكوه بالذكر وطلب الغفران، وإنه حين رأى منهم ذلك لجأ إلى طريقة ينفذ منها إلى غرضه وهي بث الفرقة