الوجود والعدم، أو الحياة والموت، أو العلم والجهل، أو يوصف بنفي الوجود والعدم، ونفي الحياة والموت، ونفي العلم والجهل، فإن قلت إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما، وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة، لا تقابل السلب والإيجاب، فإن الجدار لا يقال له أعمى، ولا بصير، ولا حي ولا ميت، إذ ليس لهما قابلا، قيل لك: أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم، فإنهما متقابلان، تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر. وأما ما ذكرته من الحياة والموت، والعلم والجهل، فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاؤون، والاصطلاحات اللفظية ليست دليلا على الحقائق العقلية، وقد قال تعالى {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أيان يُبْعَثُونَ} .
فسمى الجماد ميتا، وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم. وقيل لك ثانيا فما لا يقبل الاتصاف بالحياة والموت والعمى والبصر ونحو ذلك من المتقابلات أنقص مما يقبل ذلك فالأعمى الذي يقبل الاتصاف بالبصر أكمل من الجماد الذي لا يقبل واحدا منهما، فأنت فررت من تشبيه بالحيوانات القابلة لصفات الكمال، ووصفته بصفات الجمادات التي لا تقبل ذلك. وأيضا فما لا يقبل الوجود والعدم، أعظم امتناعا من القابل للوجود والعدم، بل ومن اجتماع الوجود والعدم، ونفيهما جميعا فما نفيت عنه قبول الوجود والعدم، كان أعظم امتناعا مما نفيت عنه الوجود والعدم وإذا كان ممتنعا في صرائح العقول كان أعظم امتناعا، فجعلت الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم هو أعظم الممتنعات. وهذا غاية التناقض والفساد.
ش: يعني إذا قال الغالي: أنا أنفي النفي والإثبات، فلا يلزمني التشبيه بالموجودات والمعدومات، قيل له: فيلزمك حينئذ التشبيه