والبصر "كالجدار" لا يوصف بذلك، جوابنا على هذه الدعوى أن نقول: هذه الدعوى غير صحيحة ففي لغة العرب وصف الجماد بالحياة والموت ونحو ذلك، وأن لم يكن الجماد على زعمك قابلا قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ} ومن جملة معبوداتهم الأصنام وفيها الجماد. والعرب تقول:"اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان" وسيَأتِي لهذا المبحث مزيد بيان في موضعه، وإنما قولك: أن ما لا يقبل الاتصاف بهذه الأوصاف لا يوصف بها – مجرد اصطلاح – لفظي اصطلحت عليه الفلاسفة المشاؤون، والاصطلاحات اللفظية ليست دليلا على الحقائق العقلية، فلا يمكن اطراح ما هو مدرك معروف بالعقل واعتبار ما هو اصطلاح لفظي والفلاسفة المشاؤون هم أتباع أرسطو – وهو المقدوني – من أهل مقدونة من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وكان مولده سنة ثلاثمائة وأربع وثمانين قبل الميلاد، وتوفي سنة ثلاثمائة واثنتين وعشرين قبل الميلاد، عن ثلاث وستين سنة.
وكان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس، فسمي تلاميذه- المشائين- فتسمية أتباعه بالمشائين إنما هو أخذ من عادته.
إذ كان يلقي عليهم الدرس وهو يمشي وهم يسيرون حوله، ويسمون أيضا الرواقية نسبة إلى الرواق الذي كان يتمشا في ظله وهو يلقي الدروس، والمتقابلان بالعدم والملكة أمران: أحدهما وجودي، والآخر عدمي، فالوجودي هو الصفة الثبوتية التي تقوم بمن من شأنه الاتصاف بها كالبصر، والعلم، والعدمي هو فقدان تلك الصفة كالعمى والجهل، فإن العمى – عدم البصر – عما شأنه قبول البصر والجهل فقدان العلم عما من شأنه قبول العلم، فالوجودي هو الملكة، والعدمي فقدانها والمتقابلان بالإيجاب والسلب هما أمران يلزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر فالإيجاب