للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر لي والله أعلم أن الأحاديث قد جاء في بعضها ذكر الذهب والفضة، وجاء في بعضها الآخر ذكر الدينار والدرهم، فإذا كان ذهبًا مصوغًا، أو تبرًا، فهو من جنس الذهب، وكذلك الفضة المصوغة حليًا، أو تبرًا، فإنها من جنس الفضة فالعلة فيها كونها ذهبًا أو فضة١، وأما الدينار والدرهم فالعلة فيهما كونهما أثمانًا؛ لأن هذا المعنى هو الذي يجري التعامل فيهما لأجله؛ فعلى هذا فالعلة فيهما متعدية في كل ما تعارف الناس عليه في أنه


١ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من الأثمان، [كالدنانير وهي من الذهب، والدراهم وهي من الفضة] من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة. (تفسير آيات أشكلت ٢/٦٢٢-٦٣١) .
قال المرداوي: وعمل الناس عليه. (الإنصاف ٥/١٤) .
بل جوز شيخ الإسلام بيع المصوغ بجنسه نسيئة ما لم يقصد كون المصوغ ثمنًا. (تفسير آيات أشكلت ٢/٦٣٢) .
والذي حمل شيخ الإسلام على هذا القول قوله إن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية فقط، فلو كان ذهبًا وفضة ولم يكن ثمنًا؛ كالذهب المصوغ فإنه لا يدخل في باب الربا، بل ينتقل إلى كونه سلعة من السلع؛ كالثياب وغيرها.
وقد تقدم أن الأحاديث قد جاءت في النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، إلا مثلاً بمثل، يدًا بيد، كما جاءت كذلك في الدينار والدرهم.
وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت، وابن عمر وفضالة بن عبيد أن الذهب المصوغ يجري فيه الربا، فإن في حديث فضالة أن الذهب المصوغ؛ وهو ما كان في القلادة أجرى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الربا.
ويمكن تخريج مسألة بيع الذهب المصوغ بجنسه على مسألة (مد عجوة ودرهم) ، وسوف يأتي بيانها، وذلك على القول بأن الذهب إذا كان معه غيره فإنه لا يجوز بيعه بالذهب؛ إلا إذا كان الذهب المفرد أكثر من الذهب المخلوط.
فإذا كان هذا فيما إذا كان مع الذهب عين، فكذلك إذا كان فيه صفة، وهي الصياغة هنا، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>