وكنَّا كندمانيْ جَذيمةَ حقبةً ... منَ الدَّهرِ حتَّى قيلَ لنْ يتصدَّعا
فلمَّا تفرَّقنا كأنِّي ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لمْ نقمْ ليلةً معَا
فإنْ تكنِ الأيَّامُ فرَّقنَ بينَنا ... فقدْ بانَ محموداً أخي يومَ ودَّعا
وقال عدي بن زيد:
فإنْ أمسيتُ مكتئباً حزيناً ... كثيرَ الهمِّ يشهدُني الحذارُ
فقدْ بُدِّلتُ ذاكَ بنُعمِ بالٍ ... وأيَّامٍ لياليها قصارُ
وأنشدني أحمد بن أبي طاهر قال أنشدنا أبو تمام لنفسه:
ألا إنَّ صدرِي مِنْ غرامِي بلاقعٌ ... عشيَّةَ شاقتْني الدِّيارُ البلاقعُ
لئنْ كانَ أمسَى شملُ وحشكَ جامعاً ... لقدْ كانَ لي شملٌ بأُنسكَ جامعُ
أُسيءُ علَى الدَّهرِ الثَّناءَ فقدْ قضَى ... عليَّ بجورٍ صرفهُ المتتابعُ
وقال حميد بن ثور:
قضَى اللهُ في بعضِ المكارهِ للفتَى ... رشاداً وفي بعضِ الهوَى ما يحاذرُ
شربْنا بثُعبانٍ منَ الطَّودِ بردَها ... شفاءً لغمٍّ وهيَ داءٌ مخامرُ
لياليَ دُنيانا علينا رحيبةٌ ... وإذْ عامرٌ في أوَّلِ الدَّهرِ عامرُ
وقدْ كنتُ في بعضِ الصَّبابةِ أتَّقي ... وأخشَى علينا أنْ تدورَ الدَّوائرُ
وأعلمُ أنِّي إنْ تغطَّيتُ مرَّةً ... منَ الدَّهرِ مكشوفٌ غطائِي فناظرُ
وقال أيضاً:
خليليَّ إنْ دامَ همُّ النُّفوسِ ... عليها ثلاثَ ليالٍ قتلْ
علَى أنَّ شيئاً سمعْنا بهِ ... يسمَّى السُّرورُ مضَى ما فعلْ
وقال البحتري:
عيشٌ لنا بالأبرقَيْنِ تأبَّدتْ ... أيَّامهُ وتجدَّدتْ ذكراهُ
والعيشُ ما فارقتهُ فذكرتهُ ... لهفاً وليسَ العيشُ ما تنساهُ
وقال محمد بن عبيد الأزدي:
فلمَّا قضيْنا عصمةً مِنْ حديثِنا ... وقدْ فاضَ مِنْ بعدِ الحديثِ المدامعُ
جرَى بينَنا منَّا رسيسٌ يزيدُنا ... سقاماً إذا ما استيقنتهُ المسامعُ
كأنْ لمْ تجاورْنا أُميمُ ولمْ تقمْ ... بفيضِ الحمَى إذْ أنتَ بالعيشِ قانعُ
فهلْ مثلَ أيَّامٍ تسلَّفنَ بالحمَى ... عوائدُ أوْ عيشُ السّتارَيْنِ واقعُ
وقال قيس بن ذريح:
فإنْ تكنِ الدُّنيا بليلَى تقلَّبتْ ... عليَّ وللدُّنيا بطونٌ وأظهرُ
فقدْ كانَ فيها للأمانةِ موضعٌ ... وللكفِّ مرتادٌ وللعينِ منظرُ
وللهائمِ الظَّمآنِ ريٌّ بريقِها ... وللدَّنفِ المشتاقِ خمرٌ مسكِّرُ
قال أبو العباس محمد بن يزيد النحوي فقلنا له فما الَّذي بقي بعد ما وصفت قال بقيت الموافقة.
وقال البحتري:
كانَ الوصالُ بُعيدَ هجرٍ منقضٍ ... زمنَ اللِّوَى وقُبيلَ بينٍ آفدِ
ما كانَ إلاَّ لفتةً مِنْ ناظرٍ ... عجلٍ بها أوْ نهلةً مِنْ واردِ
ولبعض أهل هذا العصر:
رعَى اللهُ دهراً فاتَ لمْ أقضِ حقَّهُ ... وقدْ كنتُ طبّا بالأُمورِ مجرِّبا
لياليَ ما كانتْ رياحكَ شمألاً ... عليَّ ولا كانتْ بروقكَ خلَّبا
لياليَ وفَّيتُ الهوَى فوقَ حقِّهِ ... وفاءً وظرفاً صادقاً وتأدُّبا
فلمْ أرَ ودّاً عادَ ذنباً وقدْ مضتْ ... لهُ حقبٌ يشجَى بذكراهُ مَنْ صبَا
ولمْ أرَ سهماً هتَّكَ الدِّرعَ وانتهَى ... إلى القلبِ قِدماً ثمَّ قصَّر أوْ نبَا
ولا عذرَ للصَّمصامِ إنْ بلغَ الحشا ... وكَلَّ ولمْ يثلمْ لهُ العظمُ مضربَا
ولا لجوادٍ سابقَ الرِّيحَ سالماً ... وقامَ فأعيَا بلْ تقطَّرَ أوْ كبَا
فأنَّى بعذرٍ في اطِّراحِي وجفوتي ... ونقضِ عهودٍ أُكِّدتْ زمنَ الصِّبا
إذا عوقبَ الجانِي علَى قدرِ جرمهِ ... فتعنيفُهُ بعدَ العقابِ منَ الرِّبا
وقال ابن ميادة:
ألا يا لقومِي للهوَى والتَّذكُّرِ ... وعينٍ قذَى إنسانها أُمُّ جحدرِ
فلمْ ترَ عيني مثلَ قلبيَ لمْ يطرْ ... ولا كضلوعِي فوقهُ لمْ تكسَّرِ
وقال الطرماح:
عرفتُ لسلمَى رسمَ دارٍ تخالُها ... ملاعبَ جِنٍّ أوْ كتاباً منمنمَا
وعهدِي بسلمَى والشَّبابُ كأنَّهُ ... عسيبٌ نمَى في ريِّهِ فتقوَّما