قال فقلت لها يرحمك الله أفي مثل هذا الموضع تنشدين هذا فقالت إليك عنِّي يا عراقيُّ لا رهقك فقلت لها وما الحب فقالت هيهات جل والله عن أن يُحصى وخفي عن أن يُرى فهو كامن ككمون النار في حجرها إن قدحته ورى وإن تركته توارى ثمَّ أنشأت تقول:
إنسٌ غرائرُ ما هممنَ بريبةٍ ... كظباءِ مكَّةَ صيدهنَّ حرامُ
يُحسبنَ من لِينِ الحديثِ فواسقاً ... ويصدُّهنَّ عنِ الخنا الإسلامُ
وقال أبو صخر الهذلي:
ولَليلةٌ منها تعودُ لنَا ... في غيرِ ما رفثٍ ولا إثمِ
أهوَى إلى نفسِي ولو نزحتْ ... ممَّا ملكتُ ومِنْ بنِي سهمِ
وقال آخر:
فلمَّا التقيْنَا قالتِ الحكمَ فاحتكمْ ... سوَى خصلةٍ هيهاتَ منكِ مرامُها
فقلتُ معاذَ اللهِ مِنْ تلكَ خصلةً ... تموتُ ويبقَى وزرُها وإثامُها
فبتُّ أُثنِّيها عليَّ كأنَّها ... منَ النَّومِ سكرَى وارفاتٌ عظامُها
وقال مسعر بن كدام:
تفنَى اللَّذاذةُ ممَّنْ نالَ صفوتَها ... منَ الحرامِ ويبقَى الإثمُ والعارُ
تبقَى عواقبُ سوءٍ في مغبَّتِها ... لا خيرَ في لذَّةٍ مِنْ بعدِها النَّارُ
وقال جرير:
كانتْ إذا أخذتْ لعِيدٍ زينةً ... هشَّ الفؤادُ وليسَ فيها مطمَعُ
تركتْ حوائمَ صادِياتٍ هيَّماً ... مُنعَ الشِّفاءُ وطابَ هذا المشرعُ
وقال عبيد الرَّاعي:
نقاربُ أفنانَ الصِّبى ويردُّنا ... حياءٌ إذا كدْنا نلجُّ فنجمحُ
حرائرُ ما يَدرينَ ما سوءُ شيمةٍ ... ويتركنَ ما يُلحَى عليهِ ويفضحُ
وقال ذو الرمة:
أرَينَ الَّذي استودعنَ سوداءَ قلبهِ ... هوًى مثلَ شكٍّ بالرِّماحِ النَّواجمِ
أُولئكَ آجالُ الفتَى إنْ أردنهُ ... بقتلٍ وأسبابُ السَّقامِ المُلازمِ
يقاربنَ حتَّى يطمعَ التَّابعُ الصِّبى ... وتهتزَّ أحشاءُ القلوبِ الحوائمِ
إذا قالَ يا قدْ حلَّ دَينِي قضينَهُ ... أمانيَّ عندَ الزَّاهراتِ العوائمِ
وقال أيضاً:
وإنَّا لنرضَى حينَ نشكُو بخلوةٍ ... إليهنَّ حاجاتِ النُّفوسِ بلا بذلِ
وما الفقرُ أزرَى عندهنَّ بوصلِنا ... ولكنْ جرتْ أخلاقُهنَّ علَى البُخلِ
وأنشدني أعرابي ببلاد نجد:
وقدْ كنتُ ودَّعتُ النَّقا ليلةَ النَّقا ... بما ليسَ يُبلي ثوبَ جِدَّتهِ الدَّهرُ
وما نلتُ شيئاً غيرَ أنَّكَ قلتَ لِي ... سأرْعاكَ فاحْفظنِي فديتُكَ يا بدرُ
سبتْكَ بوجهٍ كالصَّحيفةِ واضحٍ ... وفي مقلتَيْ وَسْنانَ في طرفهِ فترُ
وفي مضحكٍ عذبٍ كأنَّ رضابهُ ... نُوارُ أقاحيٍّ يدجِّنُها القَطرُ
وما ليَ علمٌ غيرَ أنِّي أظنُّهُ ... وما ليَ هلمٌ غيرَ ظنِّي ولا خبرُ
وقال آخر:
فما نطفةٌ مِنْ ماءِ مزنٍ تنسَّمتْ ... رياحٌ لأعلَى مَتنهِ فهوَ قارسُ
بأطيبَ مِنْ فيها وما ذقتُ طعمهُ ... ولكنَّني فيما ترَى العينُ فارسُ
وأنشدني أحمد بن يحيى النحوي لزينب بنت فروة:
وما طعمُ ماءٍ أيُّ ماءٍ تقولهُ ... تحدَّرَ مِنْ غرٍّ طوالِ الذَّوائبِ
بمنعرجٍ أوْ بطنِ وادٍ تحدَّثتْ ... عليهِ رياحُ الصَّيفِ مِنْ كلِّ جانبِ
نفتْ جِريةُ الماءِ القذَى عنْ متونهِ ... فما إنْ ترَى فيهِ مُعاباً لعائبِ
بأطيبَ ممَّنْ يقصرُ الطَّرفُ دونهُ ... تُقَى اللهِ واستحياءُ بعضِ العواقبِ
وقال العديس الكناني:
جزَى اللهُ الوُشاةَ جزاءَ سوءٍ ... فإنَّهمُ بنا قدْ يولَعونا
ولوْ لمْ نخشَ إلاَّ النَّاسَ كانُوا ... علينا في الإساءةِ هيِّنينا
ولكنَّا نخافُ اللهَ حقّاً ... ونخشَى اللهَ إسلاماً ودِينا
ونَسْتحيي ونرعَى غيبَ جُمْلٍ ... ونحنُ علَى المودَّةِ مُنطوينا
وقال آخر:
وأقصُرُ طرفِي دونَ جُمْلٍ كرامةً ... بجُملٍ وللطَّرفِ الَّذي أنا قاصرُهْ
سقَى اللهُ بيتاً لستُ آتِي أهلهِ ... وقلبِيَ في البيتِ الَّذي أنا هاجرُهْ
وقال آخر:
تضوَّعَ مسكاً بطنُ نعمانَ إذْ مشتْ ... بهِ زينبٌ في نسوةٍ عطِراتِ
خرجنَ بفجٍّ رائحاتٍ عشيَّةً ... يلبِّينَ للرَّحمانِ مُعتمراتِ