يُغطِّينَ أطرافَ البنانِ منَ التُّقى ... ويخرجنَ بالأسحارِ مُجتمراتِ
ولمَّا رأتْ نكثَ النُّميرِيِّ أعرضتْ ... وكنَّ مِنَ انْ يَلقيْنَهُ حذِراتِ
وقال الحسن بن هانئ:
أحسنُ مِنْ زحفِ قبيلتينِ ... ومِنْ تَلاقِي كتيبتينِ
ومِنْ نزالٍ بمرهفاتٍ ... بينَ مغاويرِ عسكرَيْنِ
فمانِ قدْ أُعمِلا رِضاعاً ... ومصَّ ريقٍ بشِفَّتينِ
لمْ يُطعمَا الغمضَ مِنْ نَفارٍ ... مُحادثَيْنِ مُلازمَينِ
حتَّى إذا الصُّبحُ لاحَ قامَا ... علَى وضوءٍ مُصلِّيينِ
وقال آخر:
فما أنسَ ممَّا قدْ رأيتُ وفاتنِي ... بهِ الدَّهرُ ممَّا كنتُ أُعطَى وأُرزقُ
فلنْ أنسَ مسراهَا وسِرباً سرتْ بهِ ... بغورِ النَّقا كادتْ لهُ الأرضُ تُشرقُ
إلى موعدٍ منَّا ومنهنَّ شاقَنا ... إليهِ الأعادِي والهوَى المتشوَّقُ
فبتنَ جُنوحاً يشتكينَ ونشتكِي ... إليهنَّ لمْ يهبطْ لنا الأرضَ مرفقُ
عفائفُ لا يدنونَ منَّا لريبةٍ ... ولا نحنُ مكروهاً منَ الأمرِ نرهقُ
فلمَّا رأينَ الصُّبحَ لاحَ وصوَّتتْ ... كرائمُ طيرٍ لمْ تكنْ قبلُ تنطقُ
فمَا برحتْ حتَّى وددتُ بأنَّني ... بما في فؤادِي منَ دمِ الجوفِ أشرقُ
وأعلنَتِ الشَّكوَى حَصانُ غريرةٌ ... تجودُ بماضِي دمعِها ثمَّ تشهقُ
يظلُّ الغيورُ أرغمَ اللهُ أنفهُ ... علَى مُلتقانَا قائماً يتحنَّقُ
وقال آخر:
ألا يا شفاءَ النَّفسِ لمْ تسعفِ النَّوى ... وتُحيي فؤاداً لا تنامُ سرائرُهْ
أثِيبِي فتًى حقَّقتِ قولَ عدوِّهِ ... عليهِ وقلَّتْ في الصَّديقِ معاذرُهْ
أُحبُّكِ يا سلمى علَى غيرِ ريبةٍ ... وما خيرُ حبٍّ لا تعفُّ سرائرُهْ
ولبعض أهل هذا العصر:
لا تُلزمَنِّي في رعيِ الهوَى سرفاً ... وما أُوفِّيهِ إلاَّ دونَ ما يجبُ
لو كنتَ شاهدَنا والدَّارُ جامعةٌ ... والشَّملُ ملتئمٌ والودُّ مُقتربُ
لا بلْ مساواةُ ودِّي ودَّهُ بهوًى ... كأنَّهُ نسبٌ بلْ دونهُ النَّسبُ
مُستأنسينَ بما تُخفِي ضمائرُنا ... علَى العفافِ ورعيِ الودِّ نصطحبُ
فإنْ محَا الشَّوقَ فرطَ الأُنسِ أوحشَنا ... أُنسُ العواذلِ إنْ جدُّوا وإنْ لعبوا
فما نُدافعُ بالهجرانِ فهوَ علَى ... أنْ لا يزولَ هوَانَا مُشفقٌ حدِبُ
عاينتَ منزلةً في الظَّرفِ عاليةً ... ورتبةً قصَّرتْ عن شأْوِها الرُّتبُ
في عفَّةٍ نتحامَى أنْ يلمَّ بها ... سوءُ الظُّنونِ وأنْ تغتالَها الرِّيبُ
وقال آخر:
فلا بخلٌ فيُؤْيِسَ منكَ بخلٌ ... ولا جودٌ فينفعَ منكَ جودُ
شكوْنا ما علمتَ فما وليتمْ ... وباعدْنا فما نفعَ الصُّدودُ
ونُحسدُ أنْ نزوركمُ ونرضَى ... بدونِ البذلِ لوْ رضيَ الحسودُ
وقال آخر:
ويخشَوْنَ في ليلَى عليَّ ولمْ أنلْ ... معَ العذلِ مِنْ ليلَى حراماً ولا حِلاَّ
سوَى أنْ محا لوْ تشاءُ أقلَّها ... ولوْ تبتَغِي ظلاًّ لكانَ لها ظلاَّ
ألا حبَّذا أطلالُ ليلَى علَى البِلى ... ومَا بذلتْ لي مِنْ نوالٍ وإنْ قلاَّ
وما يتمادَى العهدُ إلاَّ تجدَّدتْ ... مودَّتها عندِي وإنْ زعمتْ أنْ لا
ولعمري إنَّ هذا من نفيس الكلام قد جمع لفظاً فصيحاً ومعنًى صحيحاً غير أنَّه لم يخبر بالعلَّة الَّتي من أجلها لم ينل حراماً ولا حلالاً فيُقضى له على حسب ذلك لأنَّ من منعه من إتيان المنكر عجزه عنه لم يشكر وإنَّما يُستطرف ممَّن قدر على ما يهواه فتعفَّف.
كما قال مسلم بن الوليد:
وما ذمِّيَ الأيَّامَ أنْ لستُ حامداً ... لعهدِ لياليها الَّتي سلفتْ قبلُ
ألا ربَّ يومٍ صادقِ العيشِ نلتهُ ... بها وندامايَ العفافةُ والبذلُ
وقال بعض أهل هذا العصر:
يا متُّ قبلكَ قدْ واللهِ برَّحَ بِي ... شوقِي إليكَ فهلْ لِي فيكَ مِنْ حظِّ
قلبي يغارُ علَى عينِي إذا نظرتْ ... بُقيا عليكَ فَعَا أُرْوَى منَ اللَّحظِ