هلِ الشَّوقُ إلاَّ مثلُ ما أتكلَّفُ ... أبينُ وعيني ما تَني الدَّهرَ تذرفُ
تذكَّرْتُ بيتاً من نُعيْمةَ والنَّوى ... قريبٌ وقد كانَ الَّذي أتخوَّفُ
فقدْ ظنَّ هذا القلبُ أنْ ليسَ ناظراً ... إلى وجهها ما كذَّبَ الله خندفُ
فيا قلبُ صبراً واعترافاً بما قضى ... لكَ الله إنَّ الحرَّ بالصَّبرِ يُعرفُ
تجلَّدْ وأجملْ واصطبرْ وازجُرْ الأسى ... لعلَّ النَّوى يوماً بنعمةَ تُسعفُ
عسى دارُها أنْ ترعَوي بعدَ بُعدها ... عليكَ وتلقاها كما كنتَ تعزفُ
وقال آخر:
هلِ الشَّوقُ إلاَّ أنْ يحنَّ غريبُ ... وأنْ يستطيلَ العهدُ وهوَ قريبُ
لياليَ يدعوني الصِّبى فأُجيبهُ ... وللشَّوقِ داعٍ مُسمعٌ ومُجيبُ
وقائلةٍ ما بالُ لونكَ شاحباً ... وأهونُ ما بي أنْ يكونَ شحوبُ
فقلتُ لها في الصَّدْرِ منِّي بلابلُ ... تقطَّعُ أنفاسي لها وتذوبُ
وقال بعض الأعراب:
ولو أنَّ ما ألقى وما بي منَ الهوَى ... بأرعنَ رُكناهُ صفاً وحديدُ
تفطَّرَ من وجدٍ وذابَ حديدهُ ... وأمسى تراهُ العينُ وهوَ عميدُ
ثلاثونَ يوماً كلَّ يومٍ وليلةٍ ... أموتُ وأحيا إنَّ ذا لشديدُ
وقال آخر:
أصابني بعدكِ ضُرُّ الهوَى ... ومسَّني كربٌ وإقلاقُ
ويعلمُ اللهُ بحسْبي بهِ ... أنِّي إلى وجهكِ مُشتاقُ
وقال آخر:
أحنُّ إلى ليلَى وقد شطَّتِ النَّوى ... بليلى كما حنَّ اليراعُ المُثقَّبُ
يقولونَ ليلَى عذَّبتْكَ بحبِّها ... ألا حبَّذا ذاكَ الحبيبُ المعذِّبُ
وقال آخر:
أحنُّ إلى أرضِ الحجازِ وحاجتي ... خيامٌ بنجدٍ دونها الطَّرفُ يقصرُ
وما نظري من نحوِ نجدٍ بنافعي ... أجلْ لا ولكنِّي علَى ذاكَ أنظرُ
أفي كلِّ يومٍ نظرةٌ ثمَّ عَبرةٌ ... بعينيكَ يجري ماءها يتحدَّرُ
متى يستريحُ القلبُ إمَّا مُجاورٌ ... حزينٌ وإمَّا نازحٌ يتذكَّرُ
ولبعض أهل هذا العصر:
كفى حَزناً ألا أُعاينَ بُقعةً ... من الأرضِ إلاَّ زدْتُ شوقاً إليكمُ
وإنِّي متى ما طابَ لي خفضُ عيشةٍ ... تذكَّرتُ أيَّاماً مضتْ لي لديكمُ
فنغَّصَ تَذكاري لها طيبَ عيشَتي ... فقلتُ سيفْنَى ذا فيأسى عليكمُ
وقال آخر:
لئنْ درسَتْ أسبابُ ما كانَ بيننا ... منَ الوصلِ ما شوقي إليكِ بدارسِ
ولا أنا منْ أنْ يجمعَ اللهُ بيننا ... علَى جُمْلِ ما كنَّا عليهِ بيائسِ
وقال آخر:
خليليَّ لا تستسلما وادعوا الَّذي ... لهُ كلُّ أمرٍ أنْ يصوبَ ربيعُ
حياً لبلادٍ طيَّرَ المحْلُ أهلها ... وجبراً لعظْمٍ في شظَناهُ صدوعُ
عسى أنْ يحلَّ الحيُّ جرعاءَ وابلٍ ... وعلَّ النَّوى بالظَّاعنينَ تريعُ
أفي كلِّ عامٍ زفرةٌ مُستجدَّةٌ ... تضمَّنُها منِّي حشًى وضلوعُ
وقال أبو تمام:
إذا بنْتَ لم أحزَنْ لفقدِ مُفارقٍ ... سواكَ ولمْ أفرحْ بقربِ مُقيمِ
فيا ليتني أفديكَ من غُربةِ النَّوى ... بكلِّ خليلٍ واصلٍ وحميمِ
وقال آخر:
إذا كنتَ لا يُسليكَ عمَّنْ تحبُّهُ ... فراقٌ ولا يشفيكَ طولُ تلاقِ
فهلْ أنتَ إلاَّ مُستعيرٌ حُشاشةً ... بمهجةِ نفسٍ آذنتْ بفراقِ
وقال يزيد بن الطثرية:
ولمَّا رأيتُ البِشرَ قد حالَ دونهمْ ... ووافَتْ بناتُ الصَّدرِ يهوينَ نُزَّعا
تلفَّتُّ نحوَ الحيِّ حتَّى رأيتُني ... وجعْتُ منَ الإصغاءِ ليتاً وأخدعا
وقال ابن الدمينة:
حننْتُ لذكرى منْ أميمةَ وارْعوى ... لها من قديماتِ الهوَى كلُّ سالفِ
حنيناً ولوعاتٍ يفضنَ لها سوى ... بوادرِ غرباتِ الدُّموعِ الذَّوارفِ
وقال بعض الأعراب:
فلا تُشرفنْ رأسَ اليفاعِ فإنَّني ... لدى الشَّوقِ من رأسِ اليفاعِ قديرُ
إذا شرفَ المحزونُ بشراً رأيتهُ ... يُسكِّنُ أحشاءً تكادُ تطيرُ
وقال الحسين بن مطير:
إذا ارتحلتْ منْ ساحلِ البحرِ رِفقةٌ ... مشرِّقةٌ هاجَ الفؤادَ ارتحالُها