أو ألف فبأسلوبهم ولمن يفكر في مجال تفكيرهم، وليس ذلك؛ لأن الجاحظ "يستمسك بفائدته ويضن بما عنده غيرة على العلم وشحا بثمرة الفهم ولذلك كان كتاب "البيان" موقوفًا على أهله ومن كرع في حوضه، أما الجهال والمبتدئ فلا نفع له من كتابه" كما يقول ابن شهيد، إنما ذلك؛ لأنه كما أرى لا يستطيع إلا أن يفكر تفكير الخاصة، ويكتب بعقلهم وأسلوبهم؛ ولأنه رجل يكتب لنفسه قبل كل شيء ويرضى بشهوته في تدوين عناصر الثقافة الأدبية والعلمية على طريقة كتابه الموسوعات. كما يرى بعض الباحثين المعاصرين١، وما دام الجاحظ كذلك فلن يستطيع أن يفهمه إلا رجل مثله في فكره واتجاهه وثقافته، ولن يتسنى لكثير أن يفهموا الجاحظ وأن يؤمنوا بشخصيته في كتبه ومؤلفاته ما داموا لا يستطيعون مجاراته في نواحي ثقافته العقلية والأدبية. وحسب الجاحظ مجدًا وخلود ذكر أن يكون له كتاب مثل كتاب البيان والتبيين.
٢- ألف الجاحظ كتابه "الحيوان" وأهداه إلى صديقه محمد بن عبد الملك الزيات، فكافأه عليه بخمسة آلا دينار. ثم ألف بعده كتاب "البيان" وأهداه إلى أحمد بن أبي دؤاد فأعطاه عليه خمسة آلف دينار، والجاحظ يشير في مواضع متعددة من البيان إلى كتاب الحيوان، وكان لظهور "البيان والتبيين" ضجة كبيرة في الأدب والبيان حتى إنه حمل إلى الأندلس فيما حمل من نفائس المؤلفات.
وكتاب "البيان" ألفه الجاحظ على نمط طريف في التأليف، من كثرة الرواية التي قصد الجاحظ من ورائها أن ينال كتابه الشهرة والإعجاب كما يقول الجاحظ نفسه في كتابه، وينال كتابه الذكر