للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم ورأى أن اجتماع الشعر والرجز والخطابة قليل، وقلما ينبه الإنسان في أكثر من فن واحد منها، وأن الشعر والغناء والنادرة مما يستجاد أطرافها دون أوساطها، وتكلم على استواء الشاعرية واختلافها. إلى غير ذلك مما يتصل بصميم البيان، ومما تراه متفرقًا في الأجزاء الثلاثة من كتاب البيان.

٢- ودعوة الجاحظ في كتابه "البيان" -وفي مواضع متفرقة منه لا سيما الجزء الأول من كتابه الكبير- إلى مذهب أدبي جديد مستمد من عقليته وثقافته وبيئته: هي المظهر القوي من مظاهر شخصية الجاحظ الواضحة في كتابه البيان والتبيين. ويمكننا إرجاع هذا المذهب إلى عناصره الأولى من: سحر اللفظ وتلاؤم الحرف، ووضوح المعنى وترك التكلف والتعقيد والإغراب والوحشية والسوقية، ومراعاة المقام وإصابة الغاية مع الحذق والرفق والتخلص إلى حبات القلوب وإصابة عيون المعاني في سحر إيجاز، ومع البعد عما يكره من مظاهر مذمومة في البيان مما يتعلق بخلق البليغ وخلقه أو طبعه وزيه، ومع الحرص على صبغ ذلك ذلك كله بصبغة الرجل وأسلوبه وظهور شخصيته وأثره فيه. ومع مسايرة الأديب للحركة الفكرية العامة في بيئته، ومع الحرص على إيثار نشاط السامعين والقراء والاحتيال عليه. بالفكاهة الجميلة، والاستطراد الساحر، وبراعة الأسلوب وسحره وقوته، والرواية الكثيرة لأعلام الأدب والبيان التي تلقي في روع السامع والقارئ روح الهيبة والإعجاب بهم وبالمؤلف، وبمناقشة الآراء التي تستحق المناقشة والنقد مما تجعل السامع والقارئ متطلعًا مسايرًا للمؤلف في اتجاهاته الفكرية والأدبية، إلى غير ذلك من عناصر هذا المذهب الأدبي التي ترجع إلى المعنى والأسلوب دون حرص على ترف البيان أو طلب لشتى ألوان البديع إلا إذا طلبها الطبع واستدعاها المقام. ومن الجدير بالملاحظة أن كثرة الرواية في كتاب الجاحظ التي رآها بعض الباحثين المعاصرين من أسباب ضعف شخصيته إنما هو غرض قصد إليه الجاحظ وأراده، ليشعر القارئ بروحه ويؤمن

<<  <  ج: ص:  >  >>