بما يوجهه المؤلف إليه من آراء وأفكار، وليكتسب به رضاه وتقديره وإعجابه. ولا أحيلك في فهم مذهب الجاحظ ذلك على صفحة من كتابه، فاقرأ أي صفحة وعلى الأخص الجزء الأول من هذا الكتاب، فتؤمن معي بما ذكرت.
٣ - وقد ظهر الجاحظ في عصر شاع فيه اتجاهان أدبيان مختلفان: اتجاه يرمي إلى الظهور بمظهر البداوة التقليدي في الأداء والتعبير فيؤثر الغريب من الألفاظ والعنجهي من الأساليب متناسيًا روح العصر وذوقه، واتجاه آخر تأثر بالحياة السياسية والاجتماعية وبألوان الحضارة في العيش والتفكير، فمال إلى رقة الأسلوب وسهولته، مع حرص على إرضاء الطبع والذوق، وشاهد الجاحظ هذه التيارات الفكرية والأدبية المنوعة وعاصرها ولكنه مال بطبعه وذوقه إلى الاتجاه الأخير، وكتابه البيان كله دعوة إلى هذا الرأي، فهو حينًا يشيد بأدب الكتاب ومذهبهم في البيان "١٠٥/ ١"، وحينًا يكرر الدعوة إلى الوضوح والإفهام ومسايرة الذوق والطبع "٧٣ جـ١ و٢٠ جـ٢ و٢٢٥ جـ٣"، وحينًا ينقد مذاهب الصنعة في الشعر "٥٤، ١٥٠ جـ١ و٢١، ٢٥ و٢٦ جـ٢" وحينًا يدعو إلى ترك التكليف والتعقيد والتقعير وإيثار الأساليب السمحة الكريمة الساحرة "١١٠ جـ١ و٢٠، ٢١ جـ٢ و٢٢٤ جـ٣".
٤- وتكلم الجاحظ عرضًا على ألوان كثيرة من البيان، وحال كثيرًا من أساليبه البيانية:
ذكر البديع، حينما ذكر بعض مثله وأساليبه، ورأى أنه مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وذكر كثيرًا من الشعراء الذين أكثروا منه في شعرهم، "ورأى أنه لم يكن في المولدين أصوب بديعًا من بشار وابن هرمة "٢٤٢ جـ٣، ٥٤ و٥٥ و١".. وتكلم على ألوان من البيان من سجع ومزدوج وقصيد وإجازة "١٦ جـ٣". فأما السجع فقد تكلم عليه الجاحظ بتفصيل وذكر آراء رجال البيان فيه