واعلم أن لك في قوله "أجرت" و"لملت" فائدة أخرى زائدة على ما ذكرت من توفير العناية على إثبات الفعل وهي أن تقول: كان من سوء بلاء القوم ومن تكذيبهم عن القتال ما يجر مثله وما القضية فيه أنه لا يتفق على قوم إلا خرس شاعرهم فلم يستطع نطقًا، وتعديتك الفعل تمنع من هذا المعنى؛ لأنك إذا قلت "أجرتني" لم يمكن أن يتأول على معنى أنه كان منها ما شأن مثله أن يجر قضية مستمرة في كل شاعر قوم، بل يجوز أن يوجد مثله في قوم آخرين فلا يجر شاعرهم، وهكذا قوله "لملت"، يتضمن أن من حكم مثله في كل أم -العموم في الفاعل وهو ضمير الأم ليس مقصودًا إنما هو من مستتبعات التراكيب وقد ذكره عبد القاهر هنا عرضا لما فيه من مبالغة وسحر- أن تمل وتسأم وأن المشقة في ذلك إلى حد يعلم أن الأم تمل له الابن وتتبرم به مع ما في طباع الأمهات من الصبر على المكاره في مصالح الأولاد، وذلك أنه وإن قال "أمنا" فإن المعنى على أن ذلك حكم كل أم مع أولادها، ولو قلت "لملتنا" لم يحتمل؛ لأنه يجري مجرى أن نقول: لدخلها ما يملها منا، وإذا قلت "ما يملها" فقيدت لم يصلح، لأن يراد به معنى العموم وأنه بحيث يمل كل أم من كل ابن. وكذلك شأن "حجرات أدفأت وأظلت"، والمعنى: من شأن =