هذا ومن خروج صيغة الأمر للتعجيز قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والأنْسِ إنِ استَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَارِ السَّمَاواتِ والأرْضِ فَانفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلَّا بِسُلْطَان} . وقول الشاعر: أروني بخيلًا طال عمرًا ببخله ... وهاتوا كريمًا مات من كثرة البذل. وقول الشاعر: فارفع بكفك إن أردت بناءنا ... ثهلان ذا الهضبات هل يتحلحل وقول الآخر: أريني جوادًا مات هزلًا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدًا ومن حروج صيغة الأمر للتهديد قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار} وقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". ٢ إذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالًا. والظرف أعني قوله: "من مثله" متعلق بـ"فأتوا" والضمير لعبدنا أو صفة لسورة والضمير لما نزلنا أو لعبدنا. فإن قيل: أم لا يجوز على الأول أن يكون الضمير لما نزلنا؟. فالجواب: أن ذلك يقتضي ثبوت مثل القرآن في البلاغة بشهادة الذوق، إذ أن التعجيز على هذا الاحتمال إنما يكون عن المأتي به وهو السورة أي عن الإتيان بها مع وجود المأتي منه وهو المثل، فكأنه مثل القرآن ثابت لكنهم عجزوا عن أن يأتوا من المثل بسورة خلاف ما إذا كان وصفًا للسورة فإن المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف. فإن قيل فليكن التعجيز على احتمال جعل الظرف متعلقًا بفأتوا وإعادة الضمير لما نزلنا -باعتبار انتفاء المأتي به منه، فيجعل التعجيز لا باعتبار انتفاء المأتي به لا باعتبار انتفاء المأتي منه وهو المثل. قلنا: هذا احتمال عقلي لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له مساغ في اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم فلا اعتداد به هنا: وللطيبي كلام هنا طويل لا طائل تحته.