السادس: أن أهلها أعزُّ من الرماة، وأرفع شأنًا، وأعلا مكانًا، وأهلها حُكَّام به على الرماة، والرماة رعيةٌ لهم.
وذهبت طائفة ثانية إلى أن الرمي أفضل من الركوب، وتعلمه أفضل من تعلمه، والسباق به أفضل، واحتجت هذه الفرقة بوجوه منها:
أحدهما: أن الله سبحانه قدم الرمي في الذكر على الركوب فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[الأنفال: ٦٠].
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فسر القوة بالرمي (١)، والعرب إنما تبدأ في كلامها بالأهم والأولى.
الثاني: أنه سمى الرمي قوةً، وعدل عن لفظه، وسمى رباط الخيل بلفظه، ولم يعدل إلى غيره؛ إشارةً إلى ما في الرماية من النكاية والمنفعة.
الثالث: أن النبي أخبر أن الرمي أحب إليه من الركوب، فدل على أنه أفضل كما في حديث عقبة.
الرابع: أن منفعة الرمي ونكايته في العدو فوق منفعة سائر آلات الحرب، فكم من سهم واحد هزم جيشًا، وإن الرامي الواحد ليتحاماه الفرسان، وترعد منه أبطال الرجال».
ثم ذكر ابن القيم رأيه في المسألة، فقال:«وفصل النزاع بين الطائفتين أن كل واحد منهما يحتاج في كماله إلى الآخر، فلا يتم مقصود أحدهما إلا بالآخر، والرمي أنفع في البعد، فإذا اختلط الفريقان بطل الرمي حينئذٍ، وقامت سيوف الفروسية من الضرب، والطعن، والكر، والفر، وأما إذا تواجه الخصمان من البعد، فالرمي أنفع وأنجع، ولا تتم الفروسية إلا بمجموع الأمرين، والأفضل منهما ما كان أنكى في العدو، وأنفع للجيش، وهذا يختلف باختلاف الجيش، ومقتضى الحال». اهـ. بتصرف.
(١) أخرجه مسلم ح (١٩١٧) من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».