للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع أن يملك نفسه فلا يقول إلا حقًّا، خلافًا لغيره، فإنه لا يملك لسانه، وعلى هذا يفتح باب المزاح على مصراعيه فَيَلِجه من ليس أهلًا لأنْ يراقب منطقه، فيقول ما شاء دون أن يَزِنَ كلامه، فربما وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، بل ربما ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام، وهو لا يشعر كما في حديث الذين قالوا: «لم نَرَ مثل قُرَّائنا هؤلاء، أرغب بطونًا وأكذب أَلْسُنًا وأجبن عند اللقاء». فأنزل الله فيهم: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦].

وللرد على هذا الاستدلال يُقال:

إنه لَحَرِيٌّ بمَن خافَ أن يكبّه لسانه على وجهه في نار جهنم أن يراقِب نفسه في القول والعمل، وليس ذلك بمستصعب على مَن جعل قدوته النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما القول بأن إباحة المزاح فتح للباب على مصراعيه فليس بصحيح؛ لأن من أراد الاتِّباع والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - سَاسَ نفسه بما ثبت عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - قولًا وعملًا، أمرًا ونهيًا، فعلًا وتركًا، وعلى هذا المنهج كان الصحابة والتابعون، ومَن تَتَبَّع ما روي عنهم في هذا الباب وجد أنهم لم يخرجوا عن الحق في مزاحهم، ولم يَلجُوا باب الباطل من كذب وسخرية.

ولو قُدِّر أن أحدهم وقع في ذلك فعلًا فإنما هم بشرٌ يصيبون

<<  <   >  >>