للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطاء الواحد منهم يبلغ إلى ألوف متعددة ولم يسمع من أحد منهم أنه لا نصيب للأغنياء في العطاء ومن زعم ذلك فعليه الدليل, فإن قال الدليل حديث: "إن الصدقة لا تحل لغني" قلنا أصناف مصارف الزكاة ثمانية أحدها الفقير فمن لم يكن فيه إلا كونه فقيرا بدون اتصافه بوصف آخر من أوصاف أصناف مصارف الزكاة فلا ريب أنه إذا صار غنيا لم تحل له, وأما من أخذها بمسوغ آخر غير الفقر وهو كونه مجاهداً أو غارماً أو نحوهما فهو لم يأخذها لكونه فقيرا حتى يكون الغنى مانعا بل أخذها لكونه مجاهدا أو غارما أو نحوهما فتدبر هذا فهو مفيد, ومن جملة سبيل الله الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيبا سواء كانوا أغنياء أو فقراء بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام وشريعة سيد الأنام وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم والأمر في ذلك مشهور, ومنهم من كان يأخذ زيادة على مائة ألف درهم ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة, وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعمر لما قال له يعطي من هو أحوج منه: "ما آتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك" كما في الصحيح والأمر ظاهر, وأما ابن السبيل فإذا كان فقيرا لا يملك شيئا في وطنه ولا في غيره فلا نزاع في أنه يعان على سفره بنصيب غير النصيب الذي يأخذه لأجل فقره وإن كان غنيا في وطنه وفي المحل الذي يريد السفر منه فلا نزاع أنه لا يأخذ شيئا لكونه ابن سبيل, وإن كان غنيا في وطنه وفي المحل الذي يريد السفر منه فإن كان لا يمكنه القرض فلا ريب أنه يعان على سفره لأنه كالفقير لعدم إمكان انتفاعه بماله بوجه من الوجوه وإن كان يمكنه القرض فهذا محل النزاع, وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام. والحاصل: أن الله سبحانه جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم بل المعنى أن جنس

<<  <  ج: ص:  >  >>