الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة ورواه من التابعين جماعة كثيرة ثم رواه عنهم الجمع الجم وقد ذهب إلى ذلك علي وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وداود الظاهري وابن حزم وهو الحق وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك قال ابن القيم: أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة ولم يأخذ به أكثر أهل العلم وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه: أحدها: كثرتها وإنفراد حديث سالم والثاني: أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة في شق المنع الثالث: أنه أحوط الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحما ولا ينشر عظما فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصا بسالم وحده ولهذا لم يجيء ذلك إلا في قصته السادس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد فاشتد عليه وغضب فقال: إنه أخي من الرضاعة فقال: انظرن من إخوانكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه واللفظ لمسلم وفي قصة سالم مسلك وهو أن هذا كان موضع حاجة فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه ولم يكن لنه منه ومن الدخول على أهله بد فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد ولعل هذا المسلك أقوى المسالك وإليه كان شيخنا يجنح والله تعالى أعلم انتهى.
أقول: الحاصل أن الحديث المتقدم صحيح وقد رواه الجم الغفير عن الجم الغفير سلفا عن خلف ولم يقدح فيه من رجال هذا الشأن أحد وغاية ما قاله من يخالفه أنه ربما كان منسوخا ويجاب بأنه لو كان منسوخا لوقع الاحتجاج على عائشة بذلك ولم ينقل أنه قال قائل به مع اشتهار الخلاف بين الصحابة وأما الأحاديث الواردة بأنه لا رضاع إلا في الحولين وقبل الفطام فمع كونها فيها مقال لا معارضة بينها وبين رضاع سالم لأنها عامة وهذا خاص والخاص مقدم على العام ولكنه يختص بمن عرض له من الحاجة إلى إرضاع الكبير ماعرض لأبي حذيفة وزوجته سهلة فإن سالما لما كان لهما كالابن وكان في البيت الذي هما فيه وفي الاحتجاب مشقة عليهما رخص صلى الله عليه وسلم في الرضاع على تلك الصفة فيكون رخصة لمن كان كذلك وهذا لا محيص عنه قال في المسوى: يجب إحياء المولود بالإرضاع حولين كاملين إلا إذا اجتمع رأي الوالدين