للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإبراء من المجهول وأخرج البخاري من حديث جابر أن أباه قُتل يوم أحد شهيداً وعليه دَين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي وقال "سنغدوا عليك" فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها١ فقضيتها وبقي لنا من ثمرها وفيه جواز الصلح عن معلوم بمجهول أقول: إسقاط الشئ فرع العلم به فمن جهل ما يريد إسقاطه فإما أن يعلمه بوجه من الوجوه أو بجهله من جميع الوجوه فإن علمه بوجه من الوجوه على صورة تتميز عنده بعض تميز بحيث يغلب في ظنه أنه من الجنس الفلاني وأن مقداره لا يجاوز كذا فهذا يصح إسقاطه وإن كان مجهولا من جميع الوجوه بحيث لا يعرف جنسه ولا مقداره كيفا ولا كما فهذا لا يصح إسقاطه لأنه قد يكون على صفة لو علم بها لم تطب نفسه بالإسقاط "وعن الدم كالمال بأقل من الدية أو أكثر" لكون اللازم في الدم مع عدم القصاص هو المال فهو صلح بمال عن مال يدخل تحت عموم قوله تعالي: {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وتحت قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلح جائز" وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل متعمدا دُفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صولحوا عليه فهو وذلك تشديد العقل" وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال "لو عن إنكار" لعموم الأدلة واندراج الصلح عن إنكار تحتها ولم يأت من منعه ببرهان وقد ذهب إلى جوازه الجمهور وحكى في البحر عن الشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن إنكار وقد ثبت في الصحيح عن كعب في قصة المتخاصمين في المسجد في دين فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدَّين أن يضع شطر دينه ويتعجل الباقي وهو دليل على جواز الصلح مع الخصام ووضع واستيفاء البعض قال في الحجة البالغة ومنه وضع جزء من الدين كقصة ابن أبي حدرد٢ وهذا الحديث أحد الأصول في باب المعاملات أقول: الظاهر أنها تجوز المصالحة عن إنكار نحو أن يدعى


١ جده جدا من باب قتل قطعه فهو جديد فعيل بمعنى مفعول والجداد بفتح الجيم وكسرها صرام النخل وهو قطع ثمرتها.
٢ ستأتي في كتاب القضاء في الكلام على جواز الشفاعة من القاضي للإصلاح بين الخصمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>