"أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية" وقد ثبت أنهم في الجاهلية كانوا يخيرون المدعى عليهم بين أن يحلفوا خمسين يمينا أو يسلموا الدية كما في القسامة التي كانت في بني هاشم كما أخرجه البخاري والنسائي من حديث ابن عباس وهي قصة طويلة وفيها "أن القاتل كان معينا وأن أبا طالب قال له اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فأخبرهم فقالوا: نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم كانت قد ولدت منه فقالت يا أبا طالب: أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر١ يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب: أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان الإبل فيصيب كل رجل منهم بعيران هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف""وإن التبس الأمر كانت من بيت المال" لحديث سهل بن أبي حثمة قال: "انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحيصة وحويصة أبناء مسعود إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال "كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال: فتبرئكم اليهود بخمسين يمينا فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" وهو في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ "فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة" وقد اختلف أهل العلم في كيفية القسامة اختلافا كثيرا وما ذكره الماتن هو أقرب إلى الحق وأوفق لقواعد الشريعة المطهرة وقد وقع في رواية من حديث سهل المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع
١ الصبر في الأصل الحبس واليمين والمصبورة المحبوسة وقبل لها ذلك وغن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور – لأنه لزم بها وحبس عليها وكانت لازمة له من جهة الحكم – لأنه إنما صبر أي حبس من أجلها فوضعت بذلك مجازا.