حسية يعرفها كل أحد فقال في الفجر: طلوع النور الذي هو من أوائل أجزاء النهار يعرفه كل أحد وقال في الظهر: "إذا دحضت الشمس إذا زالت الشمس" وقال في العصر: "والشمس بيضاء نقية" وقال في المغرب: "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا" وقال في العشاء من قدّر وقت صلاته بأنه كان يصليها وقت غروب الهلال ليلة ثالث الشهر وورد١التقدير بالشفق وورد التقدير بثلث الليل وبنصفه فهذه العلامات لا تلتبس إلا على أكمه والنظر في النجوم وإن كنت لا أظن ثبوت ذلك هو النظر الذي يكون في الشمس والقمر والأظلة المقترنة بالنجوم والمراد أنه يستدل على دخول وقت كذا بكون النجم في مكان كذا كما يكون مثل ذلك في الشمس والقمر لا أنه النظر المفضي إلى الاشتغال بعلم النجوم المؤدي إلى الوقوع في مضايق عن الشريعة بمعزل فإن هذا علم نهى عنه الشارع وحذر عن إتيان صاحبه حتى جعل ذلك كفراً فكيف يجعل طريقاً إلى أمر من أمور الشريعة ومهم من مهماتها فمن ظن أن شيئا من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما نهى عنه الشارع وأراد أن يدفع عن نفسه القائلة فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات وكثيرا من نسمعه من المشتغلين بذلك يُدلي بهذه الحجة الباطلة فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة ومن أعظم المروجات لهذه البلية ما وقع من جماعة من المشتغلين بعلم الفقه من تعداد النجوم وتقدير المنازل والاستكثار من ذلك بما لا طائل تحته إلا تأنيس المنجمين فإنا لله وإنا إليه راجعون. وحاصل الكلام: أن هذه تكاليف موجهة كلف الله تعالى بها عباده وعيّن أوقاتها تعييناً يعرفه العالم والجاهل والقروي والبدوي والحر والعبد والذكر والأنثى على حد سواء اشترك فيه كل هؤلاء لا يحتاج معه إلى شيء آخر.
١ هذا التقدير قدّره النعمان بن بشير رضي الله عنه وقد بينت في شرحي على التحقيق لابن الجوزي أنه تقدير لا يطابق كل شهر فإن القمر يغيب ليلة ثالث الشهر في أوقات مختلفة باختلاف الأشهر وقد يصل الفرق بين الليلة الثالثة من شهر وبين الليلة الثالثة من شهر آخر إلى نحو الساعتين ولعل النعمان رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء لسقوط القمر لثالثه مرات من غير تتبع ولا استقصاء فظن أن هذا الوقت متحد في الليالي ولم يلاحظ الفرق بينهما.