إن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا، فلا تعارض بين آياته، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.
فقد كان الحافظ ابن حجر لما شرح صحيح البخاري، وبخاصة كتاب التفسير منه كان يأخذا باعتبار ذلك. فإنه كثيراً ما يفسر القرآن بالقرآن، وله مباحث قيمة في تفسير بعض الآيات. وإليك أمثلة على ذلك.
فلما شرح حديث البخاري الذي أخرجه برقم٤٦٧٠ من حديث ابن عمر في قصة عبد الله بن أبي لما توفيّ، ثم سأل ابنه عبد الله بن عبد الله ابن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، فقام صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما خيَّرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}[التوبة:٨٠] ، وسأزيدن على السبعين ... " الحديث.
قال ابن حجر: ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس "فقال عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: "أين؟ " قال: قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية. ثم قال ابن حجر: وهذا مثل رواية الباب، فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب مِن أن أو ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ