وكان الصحابة إذا نزلت الآية تلقوها على الوصف السابق، ثم كان العمل، وإذا عاتبهم الله جل وعلا في شيء حصل منهم الانزجار، كما قال الله جل وعلا:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد:١٦]، فكان الصحابة رضي الله عنهم يعاتبون بالقرآن فيحصل منهم الاستعتاب، تحصل منهم المراجعة، يحصل منهم إصلاح الخطاء، وإذا نزلت بهم مصيبة، أو نزلت بهم هزيمة كما جرى في أحد، وطلبوا السبب؛ جاءهم الجواب، فقد قالوا في غزوة أحد: أنى هذا؟! أي: من أين أوتينا؟ فقال الله جل وعلا في بيان ذلك:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:١٦٥]، فالقرآن في حياة الصحابة يختلف عنه تماماً في حياة غيرهم؛ ولذلك تميزوا عن غيرهم تميزاً سابقاً واضحاً، فلا يلحق مقامهم أحد، ولا يدرك شرفهم أحد رضي الله عنهم، ولكن كل من سلك سبيلهم مِن من اتبعهم بإحسان وسار على طريقهم فإنه يحصل على مثل ما حصلوا عليه من الفضل والخير أو قريباً منه.
الصحابة رضي الله عنهم اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن وفي تلاوته وفي العمل به وفي جعله منهجاً للحياة، وفي الصحيح أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(ما خلقه؟ -فقالت للذي سألها مستغربة ومنبهة-: أولست تقرأ القرآن؟ قال: بلى)، فقالت جملة مختصرة تجمل مسلك النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وخلقه، فقالت:(كان خلقه القرآن) يعمل به في نهاره، ويقوم به في ليله، فهو قائم به، عامل به آناء الليل وآناء النهار، لا يتركه لحظة من اللحظات، بل كان يترجم القرآن ويبينه للناس بقوله وعمله وسائر شأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والصحابة رضي الله عنهم ساروا على هذا المنوال، فكانوا ينظرون إلى القرآن في كل أفعالهم وفي كل أعمالهم، ولذلك لما سئل ابن عمر رضي الله عنه عن مسألة من مسائل الحج قال لهم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١]، ولما طلبوه عن دليل فعل من الأفعال لم يجبهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل أو ترك، وإنما لفت أنظارهم إلى الدليل الأكبر الذي فيه الحث على الالتزام بكل فعلٍ فعله صلى الله عليه وسلم وكل قول قاله، فقال لهم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:٢١].