إن طلب العلم الشرعي له مقاصد عديدة، من أهمها وأولها: أنه به يعرف الله سبحانه وتعالى، فبالعلم الشرعي يعرف الإنسان ربه سبحانه وتعالى، يعرف ما لله جل وعلا من الأسماء، وما له من الصفات، وما له من الأفعال، هذا في ما يتعلق بذاته جل وعلا.
ويعرف أيضاً ما يجب له من الحقوق، فإن العلم الشرعي هو السبيل الذي يتعرف به الخلق على ربهم سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى بعث المرسلين به معرفين وإليه داعين، فكل الرسل جاءت تعرف الخلق بربهم، وتدلهم عليه، وتبين لهم شيئاً من أوصافه؛ ليعرفوه سبحانه وتعالى ويعبدوه، وذلك لأنه لا سعادة للناس في حياتهم، ولا لذة لهم في معاشهم، إلا بمعرفة الله جل وعلا، فإن معرفة الله سبحانه وتعالى أصل السعادة ورأسها، وهذه السعادة ليست مقتصرة على سعادة الدنيا فحسب، بل هي التي تبقى بعد الموت وتنفع في الآخرة، فلذة العلم بالله جل وعلا ومعرفته سبحانه وتعالى فوق كل شيء، فالعلم بذاته يستلزم العلم بما سواه؛ لأن من عرف الله تفتحت له أبواب العلم، وأبصر السبيل، واستضاء له الطريق، فلا يحتاج بعد ذلك إلى أكثر من العلم بالله جل وعلا؛ لأن به يفتتح كل مغلق، ويحصل له كل مطلوب.
أما من لم يعرف ربه جل وعلا فإنه عن كل خير غافل، قال الله جل وعلا:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر:١٩]، فتأمل هذه الآية تجد فيها أن الله عز وجل تهدد من نساه بأنه سبحانه وتعالى ينسيه نفسه، ومن نسي نفسه كيف يعرف مصالحها؟! كيف يعرف فلاحها؟! كيف يستقيم معاشه فضلاً عن معاده؟! إن من غفل عن الله عز وجل، ونسي ربه سبحانه وتعالى؛ يصدق عليه ما أخبر به جل وعلا:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف:٢٨]، فإن من غفل عن الله عز وجل، وعن ذكره؛ انفرط عليه أمره، ولم ينتظم له شيء من الأشياء، بل تفوته مصالح دينه ومصالح دنياه، وليس في هذا مبالغة في بيان أهمية العلم بالله عز وجل، بل هذا هو الواقع، وليس ما نراه عند الكفار من إتقان عمارة الدنيا، ومن تشييد المباني، وإتقان المصنوعات، والسبق الحضاري؛ ليس ذلك بشيء أمام ما فاتهم من خير الآخرة، وإنما هو كما قال الله جل وعلا:{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}[المرسلات:٤٦]، فهو أكل وشرب وتمتع قليل، لكنه لا ينزع عنهم وصف الإجرام.
أيها الإخوة الكرام! إننا نطلب العلم الشرعي لنعرف به نبينا صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله سبحانه وتعالى حجة على الإنس والجن، بعثه الله سبحانه وتعالى بين يدي الساعة بالحق بشيراً ونذيراً، يدعو إلى الله عز وجل، يبلغ الرسالات، ويبصر من العمى، ويهدي من الضلال، فمن أقبل على العلم الشرعي عرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا عرف النبي صلى الله عليه وسلم وعرف ما جاء به تيقن صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم، فإن أهل العلم يعرفون صدق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم بما معهم من العلم يدركون صحة خبره صلى الله عليه وسلم فيما عقلوه من معاني هذا الكتاب العظيم، وفيما أدركوه من آيات الله عز وجل في الأنفس والآفاق، قال الله جل وعلا:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[سبأ:٦]، وقال جل وعلا:{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}[الإسراء:١٠٧]، ولا يمكن أن يكون منهم هذا إلا إذا كانوا قد صدقوا بما جاء في الكتاب، فإنهم يخرون تعظيماً لله عز وجل، وتعظيماً لكلام الله سبحانه وبحمده، وتعظيماً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى والنور.