أيها الإخوة! إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تميزوا بميزة جعلتهم خير القرون، ألا وهي سرعة المبادرة والاستجابة لله ولرسوله، فكانوا رضي الله عنهم سباقون إلى امتثال أمر الله ورسوله، شواهد هذا في سيرتهم كثيرة، ولا أظن أننا نأتي على شيء منها إلا ما ذكر في هذا الحديث، فإن ابن عمر الذي أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية ذكر لنا الغاية في تحقيق الغربة، وتحصيل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري أنه بعد أن روى هذا الحديث قال موصياً من يبلغه هذا الحديث:(فإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)، هذه الكلمات من ابن عمر رضي الله عنه ترجمة حرفية فعلية يبين فيها كيف تحقق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الغاية والمنتهى في قصر الأمل؛ لأن المسافر الذي هو عابر سبيل في الغالب قد يحتاج إلى الإقامة في مكان من الأماكن؛ ليستريح وينشط على سفره، لكن إقامته لا تدوم، بل إذا أصبح لا ينتظر المساء في المكان الذي أقام فيه، بل يمشي ويواصل السير، وكذلك إذا أمسى لا ينتظر الصباح، بل هو مسافر، ثم هو في سيره يغتنم أوقات عمره ونشاطه وقوته؛ لتحقيق غرضه ومقصوده، وهذا ما وجه إليه ابن عمر رضي الله عنه في قوله:(خذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)، فإن كل أحد ميت، وكثير من الناس تنزل بهم الأمراض، فاجتهادهم في وقت النشاط في طاعة الله عز وجل يكتب لهم من الأجر مثله في حالة المرض، فإن الله من كرمه وواسع فضله وجوده وإحسانه وبره ورأفته ورحمته بعباده أنه يكتب للعامل الصادق في عمله إذا نزل به مرض أو سفر كما كان يعمل صحيحاً مقيماً، كما في حديث أبي موسى في الصحيح، فينبغي للعبد أن يأخذ بهذه الوصية، فإنها من أسهل الوسائل والطرق التي يتحقق بها امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر، وهو أمر لكل الأمة، ليس خاصاً بـ ابن عمر وحده:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).