أيها الإخوة الكرام! إن العلوم بشتى أنواعها لم تعلم، ولم تبذل فيها الأموال، ولم يجتهد فيها المربون والمعلمون على مستوى العالم كله؛ لأجل أن تكتسب بها الوظائف، وتحصل بها الأموال، إن اكتساب الوظائف والأعمال والمناصب ليس سبيله التعلم فحسب، بل إن حصول المال من غير طريق العلم أقرب؛ ولذلك تجد أن أكثر الأثرياء إنما حصلوا ثرواتهم من غير العلم، فالعلم ليس سبيلاً للتكسب، بل إنه قد ثبت -بعد دراسات- أن أقل الناس دخلاً هم الذين يشتغلون بالعلم، فالعلم ليس وسيلة لتحصيل المكاسب الدنيوية، فإذا كان ذلك كذلك فينبغي لنا أن نصحح النية، ومن كان غرضه من العلوم الشرعية -خاصة- أن يحصل بها المكاسب الدنيوية فليذهب إلى غير هذا الميدان، وليبحث عن غير هذا السبيل، فإنه (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يطلبه إلا لدنيا يصيبها لم يرح رائحة الجنة) كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله جل وعلا:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٥ - ١٦]، بل إن العلوم الدنيوية لا تطلب لأجل التكسب فحسب، بل إن الأمم تدفع الأموال وتشيد المدارس وتبذل الميزانيات الطائلة في سبيل التعلم، لا لأجل وجود الوظائف للمتعلمين، بل لأجل السبق الذي يحصل به رقي الأمة في مجموعها.
أيها الإخوة الكرام! هذه لمحة عن جواب هذا السؤال الذي لا بد أن نشتغل بطلب الجواب عنه في مجالسنا وفي دراستنا وفي عملنا؛ لأن الجواب عنه يختصر ويلخص لنا شيئاً كثيراً قد نجهله، ووجود هذا السؤال في أذهاننا يفيدنا فائدتين: الفائدة الأولى: تحديد الغايات، وتحديد الغايات مما يعين الإنسان في السعي إلى تحصيلها.
الفائدة الثانية: أن ننظر ونقيس خيرنا في تحقيق هذه الغاية، فإذا أجبنا على السؤال يمكننا عند ذلك أن نقيس ما الذي حصلناه، وما الذي حققناه مما لم نحققه في سبيل التعلم.
أسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم العلم النافع، وأن يجعلنا من أئمة الهدى العاملين به، وأن يوفقنا وأمتنا إلى نشر العلم والدعوة إليه والعمل به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.