أيها الإخوة! إننا نطلب العلم الشرعي؛ لأن الله يعصمنا به من الفتن، والفتن كثرت في هذا الزمان، وهي على مر الوقت تكثر؛ لأنه كلما تقدم الوقت كثرت أسباب الضلال، وأسباب الزيغ، وأسباب الشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه).
أيها الإخوة! إن العلم الشرعي حصن يتدرع به الإنسان من الوقوع في شراك الفتن، سواء كانت من فتن الشهوات، أو كانت من فتن الشبهات، قال الله جل وعلا في بيان أثر العلم في العصمة من كل فتنة:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}[النساء:٨٣]، وهذا شأن المنافقين وعملهم:{إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}[النساء:٨٣] أي: نشروه وأشاعوه دون أن يترووا، ودون أن ينظروا هل في إشاعته مصلحة للمؤمنين وأهل الإسلام أو لا؟ قال الله جل وعلا:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:٨٣]، فالعلم سبب للحفظ من الفتن، وصيانة من الوقوع في أسباب الشر.
أيها الإخوة! إن الفتن -كما ذكرنا- تكثر مع مرور الوقت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما:(إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج) والهرج القتل، أي: كثرة القتل في الناس، وانظر حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما يصاب به الناس بين يدي الساعة فذكر أولاً رفع العلم؛ لما لرفع العلم من الشر الذي يصيب الناس، ويبين هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أنس:(إن من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويظهر الجهل، والزنا، وشرب الخمر، ويقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)، وهذا يبين لنا خطورة ارتفاع العلم، وأن ارتفاع العلم من المجتمع سبب للوقوع في أنواع الفتن وأنواع الشرور.
وإذا تأملت مسيرة الأمة تجد أن عمل الصحابة رضي الله عنهم في ذم الفتن والبدع، وفي رد الشرور، كان أعظم من عمل مَنْ بعدهم، وأن الشرور والفتن في وقتهم لم تنتشر وتشيع كما كانت في العصور التي بعد عصر الصحابة من عصر التابعين ومن بعدهم، إن بوادر الفتن التي ظهرت في عهد الصحابة رضي الله عنهم كانت بوادر خفيفة، وليست من الفتن المغلظة والبدع الشديدة، التي يحصل بها زيغ القلوب، وطيش الألباب.