[العباد محتاجون إلى ملء قلوبهم بالتكبير والعظمة لله جل وعلا]
إننا -أيها الإخوة- بحاجة إلى أن نملأ قلوبنا بمعنى هذه الكلمة، حتى تثمر ثمرتها، وحتى نجني فائدتها.
(الله أكبر) كلمة تورث في قلب العبد تعظيم الله جل وعلا، وهو الرب العظيم العلي الكبير سبحانه وبحمده الذي له ما في السموات وما في الأرض، إن هذه الكلمة إذا تأملها العبد وهو يقولها في صلاته، وهو يرددها في أذكاره، وهو يسمعها من المؤذن ويردد مع المؤذن؛ وجدها تغرس في قلبه وتصب في فؤاده تعظيم الله جل وعلا، هذه الكلمة هي أعظم وأجل القربات إلى الله سبحانه وبحمده، كيف لا، وليس شيء أعظم من الله سبحانه وتعالى؟! قال الله تعالى:{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم:٩٠]، أي: يتشققن من عظمة الرب جل وعلا، هذه السموات السبع الطباق العظام التي لا يدرك الخلق حقيقتها وكنهها، تكاد تتشقق من عظمة الرب جل وعلا، والله بين لنا عظيم شدتها وقوتها وإحكامها ومع ذلك تكاد تتفطر، أي: تتشقق شقوقاً، وتتحول هذه الاستقامة في هذا البناء إلى شقوق بسبب عظمة الله سبحانه وتعالى، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الشورى:٥]، فالله جل وعلا عظيم، أدركت جمادات خلقه عظمته، فكيف بقلوب عباده الذي منَّ عليهم بالعقل والرشد والرأي والرسالة والوحي؟! إنهم أولى وأحرى بإدراك هذه العظمة، وإدراك جلال الله سبحانه وتعالى.
(الله أكبر) كيف تذهل القلوب عن عظمة ربها جل وعلا؟! وقد قال الله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام:٩١]، ما قدر الخلق حق قدره، ثم بين لنا شيئاً من عظيم القدرة فقال:{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:٦٧]، روى مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أن الله سبحانه وتعالى يأخذ السموات بيمينه، ويأخذ الأرض بشماله فيقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، هذه عظمة ربنا، هذه السموات وهذا البناء العظيم يكون في قبضته، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة ذلك فاهتز في المنبر تأكيداً لهذا، فقال وهو يشير بيده إلى عظيم قدرة الله جل وعلا:(إن الله يطوي السموات السبع بيمينه، والأرضين بالأخرى، ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، هذه عظمة ربنا جل وعلا، وقد جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- فقال:(يا محمد! إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك) يقول ابن مسعود: (فضحك النبي تصديقاً لقول الحبر)، يعني: أن ما أخبر به هو من الوحي الصحيح الذي لم يحرف في التوراة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:٦٧].
الله أكبر! كيف تذهل قلوب المؤمنين عن تعظيم ربهم جل وعلا؟ الله أكبر! كيف تغفل القلوب عن تعظيم الرب جل وعلا وقد قال منكراً على الخلق:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:١٣]، كيف لا تعظمون الله سبحانه وتعالى حق عظمته؟! وهذا خطاب من الله لجميع الخلق، أي: مالكم؟ ما دهاكم؟ وما الذي جعلكم لا تخافون مقام الله جل وعلا، ولا ترجون وقاره سبحانه وتعالى، فلا توقرونه ولا تعظمونه؟! مالكم -أيها الناس- تعاملون مالككم وربكم ورازقكم وخالقكم وإلهكم الذي لا إله لكم سواه معاملة من لا يوقرونه ولا يعظمونه؟! قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية:(ما لكم لا تعرفون لله تعالى حق عظمته؟!).