للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٦٩٨ - فكان قول من قال " الأقراء الأطهار " أشبهَ بمعنى كتاب الله (١) واللسانُ واضح على هذه المعاني والله أعلم (٢)


(١) في سائر النسخ «بمعني الكتاب» وهو مخالف للأصل.
(٢) «القرء» نص ابن دريد في الجمهرة (ج ٢ ص ٤١٠) على أنه مهموز. وقال أيضا (ج ٣ ص ٢٧٦): «وأقرأت المرأة إقراء فهي مقرئ. واختلفوا في ذلك: فقال قوم: هو الطهر، وقال قوم: هو الحيض. وكل مصيب، لان الإقراء هو الجمع والانتقال من حال إلى حال، فكأنه انتقال من حيض إلى طهر، وهو الأصح والأكثر ويجوز ان يكون انتقالا من طهر إلى حيض». ونقل البخاري في صحيحه (ج ٩ ص ٤٢٠ - ٤٢١ من الفتح) عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: «يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها». وقال ابن قتيبة في غريب القرآن (ج ١ ص ٧٨ من كتاب القرطين): «وإنما جعل الحيض قرءا والطهر قرءا لأن أصل القرء في كلام العرب الوقت، يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه، ورجع لقارئه أيضا». وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار (ج ٢ ص ١٧٥):
«وحقيقته الوقت عند بعضهم، والجمع عند آخرين، والانتقال من حال إلى حال عند آخرين، وهو أظهر عند أهل التحقيق». وانظر أيضا مفردات الراغب (ص ٤١١) و الفائق للزمخشري (ج ٢ ص ١٦٣ - ١٦٤) ولسان العرب في مادتي (ق ر أ) و (ق ر ا).
وهذا كله يدل على أن «القرء» يطلق في اللغة إطلاقا حقيقيا صحيحا على الحيض وعلى الطهر، وليس مشتركا، لأنه في معنى أعم منهما، يشمل كل واحد منهما.
فالاحتجاج لتفسيره في الآية بالشواهد اللغوية وحدها غير كاف، وانما يرجع في ذلك إلى أدلة الشريعة ونصوصها، ليعرف هل يراد باللفظ فيها أحد المعنيين أو هما. وقد ذكرنا فيما مضى بعض ما يرجع انه في لسان الشارع يراد به الحيض فقط، ونزيد عليه: أن أحاديث كثيرة وردت في المستحاضة، وفيها: أنها تدع الصلاة أيام «أقرائها»، أو نحو هذا، وانظرها في سنن أبي داود (ج ١ ص ١١١ - ١٢٠) وسنن النسائي (ج ١ ص ٦٥) ونصب الراية (ج ١ ص ٢٠١ - ٢٠٢) وهذه الأحاديث على اختلاف رواياتها تدل على أن «القرء» في لسان الشارع انما يراد به الحيض فقط.
وثم حجة أخرى: أن الفقهاء جميعا اتفقوا - ما عدا ابن حزم فيما أعلم - على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، وأنهم لم يستدلوا على ذلك بكبير شي إلا بحديث مرفوع ورد من طرق فيها كلام كثير، لفظه: «طلاق الأمة ثنتان، وعدتها حيضتان» أو نحو ذلك، وانظر طرقه في نصب الراية (ج ٣ ص ٢٢٦ - ٢٢٧) ثم بآثار صحاح عن كثير من الصحابة يقولون «عدتها حيضتان»، فروى مالك في الموطأ (ج ٢ ص ٩٤) عن نافع: «أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، حرة كانت أو أمة، وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان». وروى الشافعي في الام (ج ٥ ص ١٩٩) عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب قال: «ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين، فان لم تكن تحيض فشهرين، أو شهرا ونصفا». وهذا اسناد صحيح. ثم روى نحوه عن عمر باسناد آخر فيه رجل مبهم، انظر أيضا نيل الأوطار (ج ٧ ص ٩٠ - ٩٢) والمحلى لابن حزم (ج ١٠ ص ٣٠٦ - ٣١١). وقد دخل هذا اللفظ على القائلين بأن الأقراء الأطهار، أعني قولهم في عدة الأمة أنها حيضتان، ففي الموطأ (ج ٢ ص ١٠٠): «قال مالك في الرجل تكون تحته الأمة ثم يبتاعها فيعتقها: إنها تعتد عدة الأمة حيضتين ما لم يصبها». وقال الشافعي في الأم (ج ٥ ص ١٩٨ - ١٩٩): «فلم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، فيما كان له نصف معدود، ما لم تكن حاملا، فلم يجز إذ وجدنا ما وصفت من الدلائل على الفرق فيما ذكرنا وغيره بين عدة الأمة والحرة -:
الا أن نجعل عدة الأمة نصف عدة الحرة، فيما له نصف، وذلك الشهور، فأما الحيض فلا يعرف له نصف، فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف إذا لم يسقط من النصف شيء، وذلك حيضتان، ولو جعلناها حيضة أسقطنا نصف حيضة، ولا يجوز أن يسقط عنها من العدة شيء». ثم قال بعد أسطر: «تعتد إذا كانت ممن تحيض حيضتين، إذا دخلت في الدم من الحيضة الثانية حلت». وهذا تأول من الشافعي لقولهم «عدتها حيضتان» والا فان اللفظ غلب عليه في كلامه، فعبر هو عن عدتها بأنها حيضتان. ولذلك قال ابن حزم في المحلى. «قالوا كلهم: عدتها حيضتان، إلا الشافعي، فإنه قال: طهران، فإذا رأت الدك من الحيضة الثانية فهو خروجها من من العدة». وهذا من ابن حزم بيان عن مراد الشافعي، لا حكاية اللفظ، والا فلفظه كما ترى «حيضتان».
وكل هذا يدل - كما قلنا - أن «القرء» في لسان الشرع إنما هو الحيض، وإن أطلق على الطهر في اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>