للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في ذلك ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صوابٌ غير خطأٍ، مع أن ذلك لو كان خطأً من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنُوه للأمة على

وجه الصواب، وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب. (١)

الجواب الثالث:

إذا سلمنا صحة تلك الروايات، فإننا نردُّها برغم دعوى صحتها، لأنَّها معارضةٌ للقاطع المتواتر من القرآن الكريم، ومعارض القاطع ساقط، لا يلتفت إليه، والقراءة التي تخالف رسم المصحف شاذَّةٌ لا يلتفت إليها، ولا يُعوَّل عليها. (٢)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -:

ومن زعم أن الكاتب غلط، فهو الغالط غلطًا منكرًا؛ فإن المصحف منقولٌ بالتواتر، وقد كتبت عدة مصاحف، فكيف يُتَصَوَّرُ في هذا غلطٌ. (٣)

الجواب الرابع:

وتُدفع الروايات الواردة عن ابن عباس - رضي الله عنهما- بوجهٍ عامٍّ بأنه قد أخذ القرآن عن زيد بن ثابت وأُبَيِّ بن كعبٍ، وهما كانا في جمع المصاحف في زمن عثمان، وكان زيدٌ هو الذي بأمر أبي

بكر-رضي الله عنهم أجمعين- أيضًا، وكان كاتبَ الوحي، وكان يكتب بأمر النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وإقراره، وابن عباس- رضي الله عنهما كان يعرف له ذلك، فمن غير المعقول أن يأخذ عنهما القرآن، ويطعن في ما كتباه في المصاحف. (٤)

ويدل على ذلك أن عبد الله بن عباس كان من صغار الصحابة، وقد قرأ القرآن على أبي بن كعب، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهما، ـ (٥) وقد روى القراءة عن عبد الله بن عباس أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وغيرهم من القراء، وليس في قراءتِهم شيءٌ مِمَّا تعلق به هؤلاء، بقراءته موافقة لقراءة الجماعة.


(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (٦/ ٢٦ - ٢٧).
(٢) يُنظر: مناهل العرفان (١/ ٣٨٩).
(٣) - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (١٥/ ٢٥٥).
(٤) - مناهل العرفان (١/ ٣٩٢).
(٥) - يُنظر: النشر في القراءات العشر (١/ ١١٢، ١٧٨)، ومعرفة القراء الكبار (١/ ٤٥، ٥٧).

<<  <   >  >>