للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: مواقف الصحابة -رضي الله عنهم- من المصاحف العثمانية]

[الأمر بتحريق الصحف في الأمصار]

لما انتهى الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه- من نسخ وكتابة الصحف العثمانية أمر ببعثها ونشرها في الأمصار، وكان ذلك وفق ما ثبت في العرضة الأخيرة، وأمر بترك ما سوى ذلك، ثم أمر الناس أن يحرقوا ما في أيديهم من صحف وأن يعتمدوا الصحف المرسلة إليهم، وكان ذلك الأمر بمثابة أمر وقرار من أمير المؤمنين علي أهل الأمصار امتثاله والإذعان له والعمل بمقتضاه. وقد لاقى هذا الأمر تأييد الصحابة واستجابتهم، فقاموا بتحريق الصحف التي بين أيدهم، وأما ما كان من إنكار عبد الله بن مسعود فإنه كان في أول الأمر فحسب و لم يلبث أن ثاب ورجع وأقر فعل

عثمان؛ وما أجمع عليه أمر الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - وتأييدهم لفعله ورضاهم عنه وثنائهم عليه، ولزم أمر جماعة المسلمين.

"فلم يُنقل عن أحد من الصحابة خلاف أو معارضة لما فعل الخليفة عثمان بن عفان، إلا ما روي من معارضة عبد الله بن مسعود، ولم تكن معارضته بسبب حصول تقصير في الجمع أو نقص أو زيادة، وإنما جاءت معارضته لعدم تعيينه مع أعضاء لجنة نسخ المصاحف، ولهذا قال: "أُعزل عن نسخ المصاحف وتولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صُلب رجلٍ كافرٍ". (١)

وعن تراجع ابن مسعود-رضي الله عنه- يقول الحافظ ابن كثير- رحمه لله-:

روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان-رضي الله عنه- يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة -رضي الله عنهم أجمعين-. (٢)

ومِمَّا يدل على أن ابن مسعودٍ- رضى الله عنه- قد رجع إلى رأي الجماعة أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي (٣)، وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية كما هو معلوم.

وفي نحو ذلك يقول أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت: ٤٥٦ هـ) -رحمه الله-:

وأما قولُهم إن مصحف عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- خلاف مصحفنا فباطلٌ وكذبٌ وإفكٌ. مصحف عبد الله بن مسعود إنَّما فيه قراءته بلا شكٍّ، وقراءتُه هي قراءة عاصمٍ المشهورة عند جميع


(١) - تفسير القرطبي: (١/ ٥٢).
(٢) -البداية والنهاية؛ لابن كثير: (٧/ ٢٢٨). وقد سبق تخريجه. بتصرف يسير.
(٣) يُنظر: مبحث الحفاظ من الصحابة، وهو المبحث الرابع من الفصل الأول من الباب الأول

<<  <   >  >>