للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكونية لها من الأسباب ما يقوم بها، ويدركون من خلال تلك السنن أيضًا أن هذا الدين لا يقوم بذاته بل لابد أن يكون له أنصار وأعوان من البشر يحملوا على عواتقهم هم نصرته وحمل رسالته والذب عن حياضه، ولهذا قاموا- رضي الله عنهم- بواجبهم تجاهه ببذل الأسباب لحفظ كتاب ربهم من الذهاب والضياع، وهذا من قوة إيمانهم بالله ورسوله، ومن سعة علمهم بدين ربهم،

وفهمهم لشرعته ومنهاجه، ومن إدراكهم لعظم الأمانة التي في أعناقهم، ولضخامة المسؤولية الملقاة على عواتقهم.

هل يُعد جمع أبي بكر -رضي الله عنه- للقرآن من البدعة المحدثة في الدين؟

[مفهوم البدعة في اللغة]

لنعلم أولًا أن البدعة في اللغة: مأخوذة من البَدْع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة: ١١٧].

أي مخترعها على غير مثال سابق، قوله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف: ٩]. أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل.

ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدأ طريقة لم يسبق إليها.

والابتداع على قسمين:

القسم الأول: ابتداع في العادات

كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح؛ لأن الأصل في العادات الإباحة.

والقسم الثاني: ابتداع في الدين

وهذا مُحرَّم؛ لأن الأصل فيه التوقيف، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". (١). (٢)

[البدعة في المفهوم الاصطلاحي]

والبدعة في المفهوم الاصطلاحي كما عرفها الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ) -رحمه الله- في الاعتصام هي:

" طريقة في الدين مخترعة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية". (٣)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - -رحمه الله-:

" البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب". (٤)


(١) أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨).
(٢) يُنظر: موسوعة توحيد رب العبيد، للشيخ الفوزان: (١/ ١٧٦). بتصرف يسير.
(٣) - الاعتصام (ص ٢٨).
(٤) مجموعة الفتاوى: (٤/ ١٠٧ - ١٠٨).

<<  <   >  >>