للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الجملة فإن القول بالصَّرْفة لا يختلف عن قول العرب فيه " حيث يقول:

(إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (المدثر: ٢٤)، وهذا زعم رده الله على أهله، وأكذَبهم فيه، وجعل القول به ضربًا من العمى .. (أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ) (الطور: ١٥)

فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد ". (١)

وهذا القول: (يعني القول بالصَّرْفة) باطل من وجوه:

أولها: إنه لو صح لكان الإعجاز في الصَّرْفة لا في القرآن ذاته، وهو باطل بالإجماع

ثانيها: إنه لو صح لكان تعجيزًا لا إعجازًا؛ لأنه يكون بمثابة ما لو قطعنا لسان إنسان وكلفناه بالكلام، فهو من باب التعجيز وليس من باب العجز.

ثالثها: قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: ٨٨)، فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سُلِبوا

القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم فإنه يصبح بمنزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى بالأمر الكبير الذي يُحتفل بذكره". (٢)

وإنَّ رواج تلك الفكرة يؤدي إلى أمرين

أولهما: إنَّ القرآن الكريم ليس في درجة من البلاغة والفصاحة تمنع محاكاته، وتعجز القدرة البشرية عن أن تأتي بمثله، فالعجز ليس من صفات القرآن الذاتية.

وثانيهما: الحكم بأنه ككلام الناس لا يزيد عليه شيء في بلاغته، أو في معانيه. (٣).

[٩ - عبد القاهر الجرجاني (ت: ٨١٦ هـ) -رحمه الله-]

والجرجاني ممن قال ببطلان الصَّرْفة في "الشافية"

و يرد على من حصر التحدي في إعجاز القرآن في النظم واللفظ والمعنى فحسب فيقول:

" … فإن قلت: فكيف الكلام عليهم، إذا ذهبوا في " الصَّرْفة " إلى الوجه الآخر، فزعموا أن التحدي كان أن يأتوا في أنفس معاني القرآن بمثل نظمه ولفظه؟ وما الذي دل على فساده؟ فإن على فساد ذلك أدلة منها قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات) [هود: ١٣]، وذاك أنا نعلم أن المعنى: فأتوا بعشر سور تفترونها أنتم وإذا كان المعنى على ذلك، فبنا أن ننظر في

الافتراء إذا وصف المعنى، وإذا لم يرجع إلا إلى المعنى وجب أن يكون المراد: إن كنتم تزعمون


(١) - إعجاز القرآن للرافعي: (ص: ١٠٣).
(٢) يُنظر: محاضرات في علوم القرآن، لـ: أ. د. صلاح الصاوي ود. محمد سالم: (ص: ١٦٩)
(٣) -المعجزة الكبرى القرآن، محمد أبو زهرة: (ص: ٨).

<<  <   >  >>