للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى الثاني: يطلق على كتابته وتقيده في الصحف وحفظه في السطور.

والكلام هنا عن المعنى الأول من معاني حفظ القرآن، الذي هو حفظه وتقييده في الصدور.

أولًا: تكفُل الله تعالى بحفظ كتابه بذاته العلية

إن الله تعالى جلت قدرته قد أنزل القرآن الكريم -آخر كتبه -، على خاتم أنبيائه ورسله، وجعله مهيمنًا على الكتب السابقة كما قال جل ذكره: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عليه) (المائدة: ٤٨).

وقد توكل ربنا حفظه بذاته العلية، ولم يوكل ذلك لأحد من خلقه، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، كما قال تعالى في محكم كتابه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩).

قال الطبري رحمه الله: (ت: ٣١٠ هـ)

وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. (١)

وثبت عند مسلم منْ حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ (ت: ٥٠ هـ) (٢) - رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا

جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: … إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ … ) (٣)

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: (٤)

"فلو غُسِلَتِ المصاحفُ لما انغسل من الصدور، ولما ذهب من الوجود، ويشهد لذلك قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩) ". (٥)


(١) - تفسير الطبري (٩/ ٦٩). جامع البيان في تأويل القرآن المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ٣١٠ هـ) المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م عدد الأجزاء: ٢٤
(٢) -من بني مجاشع بْن دارم بْن مالك بْن حنظلة بْن مالك بْن زيد مناة بْن تميم له صحبة وهو عياض بْن حمار بْن أَبِي حمار بْن ناجية بْن عقال بْن مُحَمَّد بْن سفيان بْن مجاشع نسبه خليفة بْن خياط، عداده في أهل البصرة وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يسلم، ومعه نجيبة يهديها إليه فقال: " أسلمت؟ " قال: لا، قال: " إن اللَّه نهاني أن أقبل زبد المشركين ".
فأسلم فقبلها منه. يُنظر: (عياض بن حمار التميمي) في تهذيب الكمال للمزي (٤٦٠٥ (بخ م ٤)، أسد الغابة: (ص: ٩٧)
(٣) - رواه مسلم (رقم/ ٢٨٦٥).
(٤) - الفقيه المحدّث أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري الأندلسيّ القرطبي المالكي، ولد سنة ٥٧٨ هـ في قرطبة، وعُرف بابن المزيِّن، رحل مع أبيه من الأندلس وهو صغير، إلى فاس وتلمسان، ثم الإسكندرية، والمدينة ومكّة، والقدس. يُنظر: وفيات الأعيان (٧/ ٢٩٥)، تذكرت الحفاظ (٤/ ١٤٣٨).
(٥) -المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (٧/ ١٦٣)

<<  <   >  >>