للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وصف ربُهُم حالهم عند سماع كلامه جل في علاه بقوله سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: ٢).

كما وصفهم جَلَّ في علاه بقوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: ٢٣).

[حال الصحابة -رضي الله عنهم- مع القرآن في صلاتهم]

كان حالهم في الصلاة يُظهر أثر انتفاعهم بالقرآن قراءة وتدبُّرًا وخشوعًا، ذلًا لله واستكانة وخضوعًا، ولربما غلب أحدهم البكاء فمنعه ذلك من إسماع المأمومين قراءته.

ونسوق أمثلة عن أحوالهم مع القرآن في الصلاة على سبيل المثال لا الحصر

[المثال الأول: حال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-]

ثبت عند البخاري من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:

لَمَّا اشْتَدَّ برَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وجَعُهُ قيلَ له في الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ أبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إذَا قَرَأَ غَلَبَهُ البُكَاءُ، قَالَ: مُرُوهُ فيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ، قَالَ: مُرُوهُ فيُصَلِّي، إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". (١)

[المثال الثاني: حال عمر -رضي الله عنه-]

يقول عبد الرّحمن بن أَبْزَى الخزاعيّ (٢):

"صليت خلف عمر- رضي الله- عنه فقرأ سورة يوسف حتى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف: من الآية ٨٤) فوقع عليه البكاء فركع". (٣)

المثال الثالث: حال ابنِ عباس (ت: ٦٨ هـ) -رضي الله عنهما-

يقول ابنِ أبي مليكة: (٤)


(١) - رواه البخاري (٦٨٢).
(٢) -عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبزى الخزاعي، مولى نافع بْن عبد الحارث. (ت: ٧٠ هـ). مختلف فِي صحبته، سكن الكوفة، واستُعمِلَ عليها، وهُوَ الذي استخلفه نافع بْن عبد الحارث عَلَى أهل مكة، حين لقي عُمَر بن الخطاب بعسفان، وَقَال: إنه قارئ لكتاب اللَّه، عالم بالفرائض. تهذيب الكمال في أسماء الرجال (١٦/ ٥٠١).
قال الذهبي: له صحبة، ورواية، وفقه، وعلم. سير اعلام النبلاء: (٣/ ٢٠٢).
(٣) بدائع الفوائد: (٣/ ٦٠٦)
(٤) -عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. الإمام الحجة الحافظ أبو بكر وأبو محمد القرشي التيمي المكي القاضي الأحول المؤذن، ولد في خلافة علي أو قبلها، (ت: ١١٧ هـ). سير أعلام النبلاء (٥/ ٨٩).

<<  <   >  >>