للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فزعموا أن هذه الآثار دلت على أن كتاب المصاحف قد أخطأوا وجه الصواب في كتابة المصاحف، وانبنى على تلك الأخطاء قراءة القراء بعد ذلك.

ويُجاب عن هذه الشبهة بطريقين:

أولاً: الأجوبة العامة:

فقد أجاب العلماء عن هذه الأحاديث في الجملة بوجوه عامة، منها:

الجواب الأول:

جنح ابن الأنباري وغيره إلى تضعيف هذه الروايات، ومعارضتها بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة. (١)

ويدل على ضعف هذه الروايات كما سبق في الشبهة السابقة إحالة العادة خفاءَ الخطأ في مثل القرآن، الذي توافرت الْهمم على نقله وحفظه، وعدمَ انتباه الصحابة إليه، وتركَه إذا انتبهوا إليه دون تصحيح لِما زُعم فيه من الخطأ.

قال الزمخشري (ت: ٥٣٨ هـ):

وهذا ونحوه مِمَّا لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام (٢)، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام

المحتاطين في دين الله، المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه -والله- فريةٌ ما فيها مريةٌ. (٣)

الجواب الثاني:

ما سبق في ردود الشبهة السابقة من أن الصحابة لم يكتبوا مصحفًا واحدًا، بل كتبوا عدة مصاحف، وأن أحدًا لم يذكر أي المصاحف الذي كان فيه الخطأ، ويبعد اتفاق جميع المصاحف على ذلك الخطأ المزعوم. (٤)

قال الطبري (ت: ٣١٠ هـ) - رحمه الله -:

فلو كان ذلك خطأً من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف -غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه- بخلاف ما هو في مصحفنا، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أُبَيٍّ


(١) - الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٢٧٦).
(٢) الزمخشري يعني بقوله (الإمام) أي المصحف الإمام، وهو مصحف عثمان، وسمي بذلك لقول عثمان- رضي الله عنه-: اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إمامًا. يُنظر: المصاحف لابن أبي داود (٢٩). الباحث.
(٣) تفسير البحر المحيط (٥/ ٣٨٣ - ٣٨٤).
(٤) - يراجع الرد الثالث على الشبهة السابقة، ويُنظر الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٢٧٠).

<<  <   >  >>