للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفًا معتادًا منهم، دل على أن المنع والصَّرْفة لم يكن معجزًا ". (١)

٢ - أن الله تعالى وصف القرآن بأوصاف ذاتية تجعله في منزلة لاتصل إليها معجزات أخرى، فكانت هذه توجب أن إعجازه ذاتيًا، ولقد قال تعالى: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا) (الرعد: ٣١).

ويقول تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) (الزمر: ٣٢).

وإذا كان القرآن بهذه الأوصاف التي وصفه الله بها منزله- سبحانه وتعالى- أفيقال بعد ذلك أن الناس يستطيعون أن يأتوا بمثله؟ اللهم إن هذا بهتان عظيم. (٢)

عاشرًا: ردُّ شُبهةِ القولِ بالصَّرْفَةِ وبيان بطلانها

أ- الرد على القائلين بالصَّرْفَةِ وبيان دلائل بطلانها

إذا رجعنا إلى المصدر الأصلي الذي أثبت إعجاز القرآن، وهو القرآن نفسه، واحتكمنا إليه في هذا؛ فإنا نجده يثبت الإعجاز لذات القرآن، لا للصرف عنه وذلك من أوجه كثيرة نذكر منها:

١ - أن الله قد تحداهم أن يأتوا بمثله، كما في قوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا) (الإسراء: ٨٨).

ومما ورد في سبب نزولها ما أخرجه ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس-رَضِي الله عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَى رَسُول الله-صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- مَحْمُود بن سيحان ونعيمان بن أُصَي ومجزئ بن عمر وَسَلام بن مشْكم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد هَذَا الَّذِي جِئْت بِهِ حق من عِنْد الله فإنا لَا نرَاهُ متناسقًا كَمَا تتناسق التَّوْرَاة

فَقَالَ لَهُم: أما وَالله إِنَّكُم لتعرفون أَنه من عِنْد الله. (٣)


(١) - الجامع لأحكام القرآن-لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: (ت: ٦٧١ هـ) دار الكتب العلمية-بيروت ١٩٩٣ م-المجلد الأول ١ - ٢/ ص: ٥٤
(٢) المعجزة الكبرى-القرآن- محمد أبو زهرة- دار الفكر العربي بالقاهرة: (ص: ٧٤).
(٣) -يُنظر: تفسير الطبري: (١٥/ ١٥٨ - ١٥٩) واللفظ له، تفسير ابن كثير: (٣/ ٦٢)، الدر المنثور في التفسير بالمأثور: (٩/ ٤٤٢). ولم يقف الباحث على شيء منه في كتب السنة في حدود بحثه الضيق.

<<  <   >  >>