للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه غير مخلوق ولو كان مخلوقًا لأتوا بمثله". (١)

فـ " لو اجتمعت الإنس والجن كلهم، واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله على رسوله، لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا، فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق، الذي لا نظير له ولا مثال له، ولا عديل له؟! ". (٢)

والاجتماع المذكور هنا في آية الإسراء إنما هو:

"اجتماع تظافر على عمل واحد ومقصد واحد، وهذه الآية مفحمة للمشركين في التحدي بإعجاز القرآن". (٣)

فإن الله تعالى نص على أن الإنسان والجن لو اجتمعوا ليعارضوه لم ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله. فلو كان الإعجاز بالصَّرْفَةِ لقيل: " لو اجتمعوا لما انعقدت لهم عزيمة على الإتيان بمثله أو لو اجتمعوا لما اتجهت هممهم ولا همة واحد منهم إلى هذا الأمر. ولم يرد مثل هذا بحال. وإنما نص القرآن على أنهم لا يأتون بمثله ولو تضافرت جهودهم وتآزرت مساعيهم، فدل على أن التحدي إنما وقع بنفس القرآن وأن الإعجاز قائم في ذاته.

قال السيوطي- (ت: ٩١١ هـ) رحمه الله تعالى- بعد ذكره آية التحدي في الإسراء:

"فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره، هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزًا وليس فيه صفة إعجاز بل المعجز هو أن الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله". (٤)

ونظير ذلك قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) (البقرة: ٢٣ - ٢٤).


(١) تفسير البغوي: (٥/ ١٢٧).
(٢) - تفسير ابن كثير: (٥/ ١١٧).
(٣) -التحرير والتنوير: (١٦/ ٣٠٢).
(٤) الإتقان: (٢/ ١٠٠٦).

<<  <   >  >>