للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصحابة-رضي الله عنهم- لم يفصلوا بين الحفظ والفهم والعمل والتعليم بأي فاصل، بل قاموا بحق كتاب ربهم خير قيام، وأخذوه جملة، ولازموا بينه، تعلمًا وتعليمًا، علمًا وعملًا، عقيدة وعبادة، سلوكًا وأخلاقًا، ولذا ظهرت آثار تثور القرآن على عقائدهم وعباداتهم وأعمالهم وسلوكهم وأخلاقهم، فتمكن الإيمان من نفوسهم، وسكن سويداء قلوبهم، واستقر في أرواحهم؛ فانتفعوا به وعمروا به حياتهم وملأوا به أوقاتهم، وأناروا به دروبهم، فأحيوا به ليلهم، وآنسوا بتلاوته وتدبره في نهارهم، وجعلوه أنيسهم في مجالسهم ومحاريبهم، وفي حلهم وترحالهم، فصاغ ذاك العمل العظيم والأمر الجليل حياتهم، وأثمر جيلًا كان في طليعة خير أمة أخرجت للناس.

والحقيقة فإنَّ العزة والرِّفْعةَ، والنصر والتمكين، كل ذلك لم يتحقق لجيل الصحابة الكرام-رضي الله عنهم- إلا بعد أن تمسكوا بدين الله علمًا وعملًا، وتمسكوا بِكتابِ ربهم حق التمسك واعتصموا به حق الاعتصام، فكان هذا هو منهجهم في تعلم القرآن وتلقيه وتدبُّرِه، وقد عرفوا لكتاب الله مكانته وقدروه حق قدره.

[ونلخص أهم مظاهر عناية الصحابة بكتاب ربهم على النحو التالي]

الأمر الأول: معرفة الصحابة لمنزلةِ القرآن، وإدراكُهم لمقاصدِهِ ومراميه

لقد تلقِّي جيل الصحابة كلام ربهم فور نزولهِ بالمحبةِ والإجلال والتبجيل والتعظيمِ المصحوب بالإيمانِ به؛ وذلك من أبرز ما أدى إلى صدق تعامُلِهم معه، فمَن عَرَفَ قِيمةَ شيءٍ دعته تلك المعرفة للاعتناء والاهتمام به، وقد تجلت وظَهَرتَ أخلاق القرآن جلية في أقوالِهم وأفعالِهم، ومما أُثِرَ عنهم في جانب حبهم للقرآن،

قول عبدِ الله بنِ مسعود -رضي الله عنه-:

(مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعلَم أَنه يُحبُّ اللهَ ورسولَه فَليَنظُر: فإِنْ كان يُحبُّ القرآنَ، فهو يحبُّ اللهَ ورسولَه). (١)

ومما أُثِرَ عنهم كذلك في الحث على تعلم القرآن والتمسك به ما أُثِرَ عنه- رضي الله عنه- أيضًا في قوله: (إنّ هذا القرآنَ مأْدبةُ الله، فتعلَّموا من مَأدبتِه ما استطعتم، إنَّ هذا القرآنَ هو حَبلُ اللهِ الذي أَمَرَ به، وهو النور المبين، والشفاءُ النافعُ عصمةٌ لمن اعتصم به) (٢)،


(١) -أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص: ٢١.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ١/ ٧٤١ رقم ٢٠٤٠ وقال (صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وابن أبي شيبة ٦/ ١٢٥ برقم ٣٠٠٠٨.

<<  <   >  >>