للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتهى الكلام عن الشبهة الثانية وجوابها والحمد لله.

[الشبهة الثالثة: دعوى تغيير الحجاج بن يوسف (ت: ٩٥ هـ) مصحف عثمان]

ادعى بعض الطاعنين في القرآن الكريم أن الحجاج بن يوسف الثقفي غيَّر حروفًا من مصحف عثمان، وأسقط حروفًا كانت فيه، وأنه كتب ستة مصاحف وجه بِها إلى الأمصار، وجمع المصاحف المتقدمة، وأغلى لَها الخل حتى تقطعت، وأنه قصد بذلك التزلف إلى بني أمية بإثبات خلافتهم، وإبطال خلافة ولد عليٍّ والعباس (١).

وتعلقوا في ذلك بنحو ما روي عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيَّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفًا، قال:

كانت في البقرة: (لم يتسنَّ وانظر)، بغير هاء، فغيَّرها) لَمْ يَتَسَنَّهْ ((البقرة من آية: ٢٥٩) بالهاء. (٢)

وكانت في المائدة: (شريعة ومنهاجًا)، فغيَّرها:) شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (٣)

وكانت في يونس:) يَنْشُرُكُم فغيَّرها:) يُسَيِّرُكُمْ (٤)

وكانت في يوسف: (أَنَا آتِيكُم بِتَأْوِيلِهِ)، فغيَّرها:) أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ (٥)

وكانت في المؤمنين: (سيقولون لله، لله، لله)، ثلاثتهن، فجعل الأخريين: (الله، الله) (٦).


(١) - مناهل العرفان (١/ ٢٦٤).
(٢) وقد قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء في الوصل، ولا خلاف في إثباتها وقفًا لثبوتها في الخط. يُنظر: النشر في القراءات العشر (٢/ ١٤٢)، وإتحاف فضلاء البشر ص ١٦٣.
(٣) سورة المائدة من الآية ٤٨، ولم يقرأ أحدٌ من القراء (شريعة) بالياء، ولو شاذًّا!
(٤) - سورة يونس من الآية ٢٢، وقد قرأها أبو جعفر وابن عامر: (يَنْشُرُكُمْ)، من النشر، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام وغيرها، وقرأ بقية القراء: (يُسَيِّرُكُمْ)، من التسيير، قال ابن الجزري: وكذلك هي في مصاحفهم، وكذلك روى أبو عمرو الداني في المقنع، في باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام. والذي يظهر -والله أعلم- أنه لا فرق في الخط بين القراءتين، ففيها أربع أسنان، فتكون عند أبي جعفر وابن عامر واحدة للنون وثلاث للشين، وعند الباقين ثلاث للسين وواحدة للياء. انظر النشر في القراءات العشر (٢/ ٢٨٢)، وإتحاف فضلاء البشر ص ٢٤٨، والمقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص ١٠٨، ويُنظر: تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص ٤٤٨.
(٥) سورة يوسف من الآية ٤٥، وفي مصحف أبي بن كعب (أنا آتيكم بتأويله)، وهي قراءة شاذة، وقد قرأ بها الحسن. يُنظر: تفسير البحر المحيط (٥/ ٣١٤).
(٦) - سورة المؤمنين من الآية ٨٥، ومن الآية ٨٧، ومن الآية ٨٩. وقد اتفق القراء على قراءة الموضع الأول (لله) بغير ألف؛ (لأن قبله لمن الأرض ومن فيها)، فجاء الجواب على لفظ السؤال، وقرأ أبو عمرو ويعقوب البصريان في الموضعين الأخيرين (الله) بالألف، وهكذا رسما في المصاحف البصرية، نص على ذلك الحافظ أبو عمرو، وقرأ باقي القراء (لله) بغير ألف، وكذا رسما في مصاحف الشام والعراق. يُنظر: النشر في القراءات العشر (٢/ ٣٢٩). فأي تغيير ذلك الذي فعله للحجاج في هذه الآيات، وقد رسمتا على الوجهين كليهما.

<<  <   >  >>