للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تحسين الصوت لا ينافي الإخلاص]

وفي ذلك يقول الإمام أبو بكر الآجُرِّي (ت: ٣٦٠ هـ) - رحمه الله -:

ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم؛ فليعرف قدر ما خصه الله به، وليقرأ لله، لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين رغبة في الدنيا، والميل إلى حسن الثناء والجاه عند أبناء الدنيا، والصِّلات بالملوك، دون الصلات بعوام الناس؛ فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه: خفت أن يكون حسن صوته فتنة عليه، وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية، وكان مراده أن يُسْتَمَعَ منه القرآنُ لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم، فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل، وينتهوا عما نهاهم؛ فمن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته، وانتفع به الناس. (١)

[فصل النزاع بين التغني و"المقامات الموسيقية"]

يبين الباحث هنا الفرق بين حقيقة التغني بالقرآن المأمور به شرعًا وبين القراءة بـ"المقامات الموسيقية"، والتي يسميها البعض بـ" المقامات الصوتية" هروبًا من مسماها الأصلي مع توضيح وتجلية الفرق بينهما.

وإنما تأتي تسميتها بغير اسمها من باب قلب الحقائق، لترويج الباطل، وذلك ليسوغ للمتلقِّي قبولها، واستحسانها، غير معظمٍ لحرمتها، وذلك لما تضفيه علي تلك المسميات "التي تقلب

الحقائق" عن أصلها إلى قالب مستساغ "لفظه" من أسماء براقة، وذلك ليهون من فظاعتها وفظاظتها وشدة قبحها وحرمتِها.

ولقد كان للشيطان قدمُ السبق في هذا المضمار، وذلك لأنه كان أول من سن تلك السنة السيئة التي تقلب الحقائق الثابتة بتغير مدلولاتها بألفاظ أُخر- مكرًا وخديعة وكذبًا وتدليسًا- لتتلقاه وتتلقفه منه أولياؤه، ويوحي بها بعضهم لبعض زخرف القول غرورًا، كما قال ربنا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الزخرف: ١٢)، ومن أظهر ذلك قلبه لحقيقة الشجرة التي نهى الله الأبوين من قربانها فسمها بغير اسمها، سماها بـ" شجرة الخلد وملك لا يبلى".


(١) أخلاق أهل القرآن، للآجري (ص ١٦١).

<<  <   >  >>