للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) في إغاثة اللهفان" -رحمه الله-:

وإنما كذبهما عدو الله، وغرّهما، وخدعهما؛ بأن سمّى تلك الشجرة "شجرة الخلد"، فهذا أول المكر والكيد، ومنه وَرِثَ أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها، فسمَّوا الخمر أمَّ الأفراح، وسمَّوا أخاها بلُقَيْمة الراحة (١)، وسمَّوا الربا بالمعاملة، وسمَّوا

المُكُوسَ بالحقوق السلطانية، وسمَّوا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسمَّوا أبلغ الكفر- وهو جحد صفات الرب- تنزيهًا، وسمَّوا مجالس الفسوق مجالس الطَّيبة! فلما سمَّاها "شجرة الخلد" قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا؛ فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون ..

وحين تقلب الحقائق عن معانيها المقصودة فلابد من التحاكم للغة العرب التي نزل بها القرآن، ونطق بها أفصح الخلق عليه الصلاة والسلام، فمن تأمل الألفاظ التي رغَّب فيها الشرع بتحسين الصوت يجدها ترجع إلى عبارات لغوية تدور حول هذا المعنى مثل ألفاظ "التعني بالقرآن"، أو غيرها من الألفاظ التي وردت على ألسنة بعض شراح الأحاديث التي رغب فيها الشرع بتحسين الصوت، كلفظ "الترنم"، ولفظ "النغم"، ولفظ "التطريب"، فمن تأمل تلك الألفاظ وجد مادتها تدور حول تحسين الصوت بالتلاوة والجهر به فحسب.

ولنا أن نتأمل في معنى الترنم الذي أورده الزبيدي (ت: ١٢٠٥ هـ) في تاج العروس حيث يقول فيما يلي:

أولًا: قال في معنى "الترنم":

((و) الرَّنَم (بالتَّحْرِيك: الصَّوتُ). وقد رَنِم بالكَسْر: إذا رَجَّع صَوْتَه كما في الصحاح، (والرَّنِيم والتَّرْنِيم: تَطْرِيبُه) كما في المُحْكَم،

وقال الجوهريّ: والتَّرْنِيم: تَرْجِيعُ الصَّوت).

وترجيع الصوت: تَرْدِيدُهُ في الَحْلْقِ. (٢)

ثانيًا: قال في معنى "النغم":

(النَّغَمُ: مُحَرَّكَةً، وتُسَكَّنُ: الكَلَامُ الخَفِيُّ، الوَاحِدةُ بِهَاءٍ)، قَالَ شَيْخُنَا: فَمُفْرَدُهُ تابَعٌ لِجَمْعِه في الضَّبْطِ، انتهى، وفُلَانٌ حَسَنُ النَّغْمَةِ، أي: حَسَنُ الصَّوْتِ في القِرَاءَةَ، كَمَا في الصَّحَاحِ).

والنَّغْمةُ: جَرْسُ الكلمة وحُسْن الصوت في القراءة وغيرها. (٣)


(١) - لعله يقصد الحشيش.
(٢) تعريف و معنى ترجيع الصوت في معجم المعاني الجامع.
(٣) - لسان العرب: مادة نغم.

<<  <   >  >>