للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما هؤلاءِ بالقُرَّاءِ ولا العلماءِ ولا الحكماءِ ولا الوَرَعةِ! متى كانت القُرّاءُ تقولُ مثل هذا؟ لا أَكْثَرَ اللهُ في الناسِ مثلَ هؤلاء". (١)

وهذا المنهجُ الرباني هو الذي خَرَّجَ تلك الأجيال وصَنَعَها، ولو عاد الخَلَفُ لما كان عليه السلف من تَلَقي القرآنَ على نفس منهجم في تلقيه لسادوا الدنيا وفتحوا البلاد، وما قَصرت بهم هممهم عن إزلال القياصرة، ولنهضت بهم قوتُهم فكسروا وحطموا ظهور الأكاسرة.

[أهم دواعي حرص الصحابة- رضي الله عنهم- على تعلم القرآن]

لقد أقبل الصحابة- رضي الله عنهم- على تعلم كتاب الله وحفظه وفهمه وتدبره وتثوره بصورة فريدة يصعب تكررها عبر الزمان، ومما رغبهم في تعلمه والإقبال عليه، هو ترغيب رسول الله-

صلى الله عليه وسلم-وتحفيزه لهم على تعلمه وتعليمه ومدارسته وحفظه، وتتجلى تلك الحقيقة من خلال ما يلي:

أولًا: كثرة ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم وحثهم على تعلمه

وقد وردت أحاديث كثيرة ترغبهم في ذلك وتحثهم عليه، منها على سبيل المثال لا الحصر:

١ - ما ثبت عند البخاري من حديث عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه". (٢)

وفي رواية عند البخاري من حديث عثمان أيضًا " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه" (٣).

٢ - ومنها ما ثبت عند مسلم من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِر (٤) - رَضِي الله عَنهُ- قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطَحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ كُلَّ يَوْمٍ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ فَيَأْخُذَهُمَا فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟، قَالَ: " قُلْنَا: كُلُّنَا يَا

رَسُولَ اللهِ يُحِبُّ ذَلِكَ "، قَالَ: فَلأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ". (٥)


(١) - الزهد والرقائق لابن المبارك ت أحمد فريد ج ٦/ ٦١٠ رقم ٧٤٢ ط دار المعراج.
(٢) - صحيح البخاري: ج ٤/ ص ١٩١٩ ح ٤٧٣٩.
(٣) - رواه البخاري: (٤٦٦٧).
(٤) - عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني. روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا. روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. كان قارئَا عالمَا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرًا، كاتبَا، وهو أحد من جمع القرآن. مات عقبة في خلافة معاوية. يُنظر: الاستيعاب (ص: ٥٦١ ترجمة ١٨٩٨)، والإصابة (٤/ ٥٢٠ ترجمة ٥٦٠٥).
(٥) - أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه (٨٠٣).

<<  <   >  >>