للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: بواعث تحريق عثمان للمصاحف

لابد وأن يُعلم أولًا:

أن كلمة: " المُصحف" في الصدر الأول لم يكُن يُقصد بها "القرآن الكريم" وإنما يُقصد بها مجموع الصحف التي كتب فيها القرآن، ولِذا حين يُقال أن عُثمان قد حرق المصاحِف فلا يعني ذلك أنه قد حرق القرآن، بل حرق الصحف التي كُتب فيها.

ولقد أمر عثمان- رضي الله عنه بتحريق المصاحف لمصالح كبرى وعظمى والتي كان من أبرزها ما يلي:

الباعث الأول: المصحف الإمام مصحف جامع للأمة قاطبة، وسائر المصاحف مصاحف فردية، كتبها كل واحد لنفسه فحسب، والصحابة ربما لم يُدوِّن أحدهم القرآن الكريم كامِلاً في مصحفه وإنما دوّن ما يحتاج إلى حِفظِهِ ومراجعته، لذا احتاج الناس لمصحف واحد إمام.

الباعث الثاني: المصحف الإمام نال عناية ودقة فائقة في الضبط والتحري والاستيثاق وإجماع الصحابة، والمصاحف الأخرى حظها من هذا الإتقان والتحري والدقة دون ذلك، لذا احتاج الناس لمصحف واحد إمام.

الباعث الثالث: المصحف الإمام لم يجمع عثمان بين دفتيه إلا ما كان قرآنًا فحسب، أما المصاحف الأخرى فقد حوت زيادات أُخر من بيان لمعان مبهمة أو تفسير لبعض الآيات، أو بيان لناسخ ومنسوخ، أو نحو ذلك، وذلك لأن تلك المصاحف الّتي عند الناس إنما انتسخوها لأنفسهم، والصحابة حفظة مهرة لا يخشى عليهم من التباس القرآن بغيره مما احتاجوا لكتابته، وقد تقع تلك المصاحف الخاصة بين أيدي أحد من غيرهم ممن يأتي بعدهم فيعتقد أنها قرآن، لذا احتاج الناس لمصحف واحد إمام مجرد من كل ما ليس قرآنًا، وقد مر معنا في طيات البحث ذكر طرف من هذا فلا حاجة لإعادته هنا.

الباعث الرابع: المصحف الإمام كان على حرف ولسان قريش ابتداءً، كما أنه جمع باقي الأحرف الثابتة في العرضة الأخيرة، والمصاحف الأخرى حوت أحرفًا أخرى يختلف بعضها عن بعض، وذلك بحسب الحرف الذي تلقاه الصحابي من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فحسب، فقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يُقرِئ كل صحابي القرآن بحرف ولسان قومه ولهجتهم، فبعضهم قد أثبت في مصحفه هذا الحرف الذي تلقاه وسمِعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم

- وهو يختلف عن الحرف الآخر الذي تلقاه وأثبته غيره في مصحفه، وجائز على تلك المصاحف الاختلاف، بسبب اختلاف الحر ف المكتوب فيها وهو الحرف الذي بلغ كل منهم من القرآن

<<  <   >  >>