للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شعرًا ونثرًا، خطابة وحماسة، وأقنعهم بما لا سبيل لهم إلى مجادلته ومحاجته، وأقام لهم برهانًا هم أقدر الناس على فهمه وإدراك معانيه، والاستسلام لسلطانه، والانقياد والإذعان لما ورد فيه.

وبذلك قد أقام الله كتابه على صدق رسالة نبيه الأمي المؤيد بالوحي من الله، والصادق في دعواه أنه رسول من عند الله- صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الثالث: الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال، وتأمل ذلك في سورة (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (ق: ١)، إلى آخرها، وقوله سبحانه: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الزمر: ٦٧)، إلى آخر السورة، وكذلك قوله سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (إبراهيم: ٤٢)، إلى آخر السورة.

قال ابن الحصار القرطبي المالكي (١):

فمن علم أن الله سبحانه وتعالى هو الحق، علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره، ولا يصح من أعظم ملوك الدنيا أن يقول: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (غافر: ١٦)، ولا أن يقول: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء) (الرعد: ١٣).

[يتابع ابن الحصار ويقول]

وهذه الثلاثة من النظم، والأسلوب، والجزالة، لازمةٌ كلَّ سورة، بل هي لازمةٌ كلَّ آية، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز،

ومع هذا فكل سورة تنفرد بهذه الثلاثة، من غير أن ينضافَ إليها أمرٌ آخر من الوجوه العشر، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات قِصار، وهي أقصر سورة في القرآن، وقد تضمنت الإخبارَ عن مُغَيَّبَين:

أحدهما: الإخبار عن الكوثر، وعظمه، وسعته، وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرُّسُل.

والثاني: الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، على ما يقتضيه قوله الحق: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا) (المدثر: ١١ - ١٤)، ثم أهلكَ الله سبحانه ماله وولده، وانقطع نسله.

الوجه الرابع: التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقلُّ به عربيٌّ، حتى يقعَ منهم الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه.


(١) -عبدالرحمن بن أحمد بن سعيد، أبو المطرِّف، القرطبي المالكي، تفقه بأبي عمر الإشبيلي، توفي سنة ٤٢٢ هـ، سيرة أعلام النبلاء (١٧/ ٤٧٣).

<<  <   >  >>