للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّ القرآن الكريم هو خاتم الكتب المنزلةِ، وهو أجَلُها وأفضلُها وأعظمُها، وإنْ كانت كلها من عند الله إلا أنَّ القرآنَ جاء ناسِخًا لِهَا كلها ومُهَيمِنًا عليها، فأجلى الله به عن البصائرَ ما غشَّاها من تيهٍ وضلالٍ وعمى، وأخرج الله به البشريةَ من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن جَهالة وضلال الجاهلية إلى شرف الانتماء للإسلام، وقطع الله به دابِرَ القوم الظالمينَ، وقد ضمَّنَه تبارك وتعالى جَميعَ ما يُصلِح حياةَ البشر في معاشها ومعادها، كما صانه سبحانه من التحريف والتبديل والتغيير، وتكفَّل سبحانه بِحِفظه بذاته العلية، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩)، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه، ولا يعتريه أي نَّقص، ولا يشُوبُه أيُّ خطأ أو خللٍ، وجَلَّ الله أن يكون كلامُهُ كلام بشَرٍ كما زعم الْمُبطِلون، بل هو كلامُ الله تعالى حقيقةً- حرفًا وصوتًا ولفظًا ومعنىً-، كما قال تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يسن: ٦٩)

[قال الإمام الطحاوي رحمه الله]

" وإنّ القرآنَ كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلامُ الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلامُ البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى: (سأُصلِيه سَقَر) (المدثر: ٢٦)، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال (إنْ هذا إلا قول البشر) (المدثر: ٢٥) عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولُ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قولَ البشر". (١)

فالقرآن الكريم ـ الذي هو كلامُ الله ووحيُه وتنزيلُهُ ـ غيرُ مخلوقٍ، مُعْجِزٌ في نَظْمِه، لا يُشْبِهُه شيءٌ مِن كلام المربوبينَ، ولا يَقْدِرُ على مِثْلِه أحَدٌ مِن المخلوقين، الذي في مَصاحِفِ المسلمين، لم يَفُتْ منه شيءٌ، ولم يَضِعْ بنسيانِ ناسٍ، ولا ضلالِ صحيفةٍ، ولا موتِ قارئ، ولا كتمانِ كاتمٍ، ولم

يُحرَّفْ منه شيءٌ، ولم يُزَدْ فيه حرفٌ، ولم يُنْقَصْ منه حرفٌ، كُلُّه حقٌّ مِن عندِ الله، ولو كذَّب به أعداءُ الرُّسُلِ (٢)

مِن الكُفَّار والمُشْرِكين والمُلْحِدين ومَن سارَ على نهجِهم مِن الفلاسفة وأهلِ الأهواء". (٣)

فما تقولون في فضل كتابٍ أنقذ الله به أمة من جاهلية جهلاءَ، وضلالة عمياءَ، دأبهم السلبُ والنهبُ، ومعبودهم الأوثانُ والحجارةُ، وديدنهم توارثُ العداواتِ والأحقادِ، لا تعرف من الحقَ رسمًا. نحلتها ما وجدت عليه آباءَها، وما استحسنته أسلافُها، من آراء منحرفةٍ، ونحل مخترعةٍ، وملل مبتدعةٍ، فأنزل الله عليهم هذا الكتابَ فأنقذهم منها به، وانتشلهم به من أوحالها.


(١) - شرح العقيدة الطحاوية (ص: ٧٩).
(٢) - شُعَب الإيمان للبيهقي (١/ ٣٢٦).
(٣) - يُنظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العزِّ (٣٣٣).

<<  <   >  >>