للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُنَزِّهِينَ اللَّهَ عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ مِنْ شُبُهَاتِ الْحُدُوثِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالُوا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ. فَإِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْ النَّاسِ مَا يُقَدَّرُ عُشْرَ مِعْشَارِ هَؤُلاءِ يَقُولُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ. وَرَأَيْنَا هَؤُلاءِ الأَئِمَّةَ أَئِمَّةَ الإِسْلامِ الَّذِينَ اعْتَمَدَ أَهْلُ الإِسْلامِ عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَعَمِلُوا بِهَا وَدَوَّنُوهَا وَدَانُوا اللَّهَ بِهَا صَرَّحُوا بِأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ لا يُشْبِهَانِ صَوْتَ مَخْلُوقٍ وَلا حَرْفَهُ بِوَجْهٍ أَلْبَتَّةَ. مُعْتَمَدِينَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْصُومِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، الَّذِي لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى- صلّى الله عليه وسلم-، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ الْجَازِمِ بِهِ، الَّذِي لا يَعْتَرِيهِ شَكٌّ وَلا وَهْمٌ وَلا خَيَالٌ: نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ وَالتَّكْيِيفِ، وَأَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي صِفَةِ الْكَلامِ كَمَا يَقُولُونَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، مِنْ النُّزُولِ وَالاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالَهُ سَلَفُ الأُمَّةِ، مَعَ إثْبَاتِهِمْ لَهَا. فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور من آية: ٤٠) ". (١)

[مفهوم لفظ الجلالة]

ولفظ الجلالة (الله) اسمُ عَلَمٍ على الذات الإلهية، لا يسمى به سواه سبحانه، ومن خصائص هذا الاسمِ الأعظمِ: أنه لم يُسَمَّ به أحدٌ غيرُ الله، وأنه أصلٌ لكلِّ الأسماء الحُسنى وإليه مَرْجِعُها؛ وهو المعبود بحقٍّ، وهو اسم غيرُ مُشْتقٍّ، وقيل: أنه مشتقٌّ من (وَلِهَ)؛ أيْ: تحيَّر، وقيل: من (أَلَهَ)؛ أيْ: تنسَّك وتعبَّد، فهو المأْلوهُ الذي تُؤلِّهه القلوبُ وتعبده، وتحبه، وتعظمه، وتبجله، وتجله، وتخافه، وترهبه، وترجوه، وتنيب إليه، وتستعينه، وتستغيثه، وتستعيذه، وتؤمن به وتتوكل عليه سبحانه؛ وقيل: من (لاه)؛ أي: تعالى وسما؛ منَ السُّمُوِّ والارتفاع.

[ومن خصائص لفظ الجلالة (الله)]

أنه اسم لا يَقبل تثنيةَ ولا جمعًا، والألفُ واللامُ فيه أصليَّتانِ من صلب الاسم الكريم العظيم، وهما ليستا ألف ولام التعريف؛ فكلُّ حرفٍ في لفظ الجلالة هو حرف أصليٌّ من بنية الكلمة؛ بحيث لو حُذف أي حرفٍ منها لتغيَّر المعنى؛ مثل كلمةِ التوحيد (لا إله إلا الله) فهي مركبة من

أربعةِ أجزاءٍ، فلا يُقال إلا "كلمة مثل قولِنا: كلمةُ التَّوحيد، والكلمة الطيبة؛ وذلك لأن كلَّ جزء منها أصلٌ لا يتجزأ ولا ينفرد فيها، وكذا كلُّ حرفٍ في لفظ الجلالة (الله)، ولذا لا يصحُّ ولا يُشرع التقرب والتعبدُ لله بالذكر المفرد بقول: "الله الله الله … "؛ كما يفعل أهل الوجد من المتصوفة، ومن على شاكلتهم من سائر المبتدعة، وإنما يكونُ الذكرُ بنحو قول: "لا إله إلا الله"، وهو أفضلُ الذكرِ؛


(١) - الكوكب المنير شرح مختصر التحرير (١/ ١٣٢ - ١٣٣).

<<  <   >  >>