للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك من دلائل سعة رحمة الله لما رأى صبرهم على الطاعة رغم ما فيها من مشقة، فجزاهم ربهم بأنه لم يحملهم فوق قدرتهم واستطاعتهم.

ولم يكن منهج الصحابة- رضي الله عنهم- مع القرآن تلقي آياته بالحفظ والتدبر واستنباط ما فيها من أحكام فحسب، بل تلقوا آياته على أنها رسائل من الله إليهم، فسارعوا للعمل بما تقتضيه سوره وآياته.

ولذا كان يشق عليهم أن تنزل آيات لا يمكنهم العمل بها، فهم هنا قد راجعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما شق عليهم من العمل بتلك الآيات، وهذه الواقعة ليست الوحيدة من نوعها، فدواوين السنة قد سطرت العديد من مثلها، ولكن سقناها هنا كواحدة من الأمثلة التي تبرهن عمليًا على حرص الصحابة رضي الله عنهم على العمل بكل ما نزل من القرآن.

وقد طال هذا المبحث جدًا (جمعه بمعنى حفظه في الصدور) لأنه هو الأصل.

ووجود الدواعي الملحة لتلك الإطالة مما يجدر الاعتذار به عن هذا العرض المستفيض.

[المطلب الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه في السطور]

بعد الاستطراد في الكلام عن معنى جمع القرآن وحفظه في الصدور، وذلك في المطلب الأول من هذا المبحث، وقد طال هذا المبحث لأهميته، ولكون المحفوظ في الصدور هو الأصل، ولأنه حاكم وقاض على المكتوب والمرسوم في السطور، ونورد هنا الكلام عن كتابته وتدوينه في السطور.

المعنى الثاني: بمعنى كتابته وتدوينه في السطور

لقد انتقل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى والقرآن كله محفوظ في الصدور، كما أنه كان كذلك محفوظًا في السطور، بمعنى أنه مجموع ومكتوب في الرقاع واللخاف والأكتاف والعسب، وهذه هي أدوات الكتابة التي توفرت في العهد النبوي، وذلك لحكمة أرادها الله، لكن القرآن جُمِعَ جمعًا مفرقًا، ولم يُجمَع ولم يرتب في مصحف واحد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما هو معلوم.

وفي نحو ذلك يقول الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) -رحمه الله-:

" كان الصحابة يكتبون القُرْآن بأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- على العسب، وهي: جريد النخل، وعلى اللخاف، وهي: الحجارة الرقيقة، وعلى الرقاع، وهي: الأوراق، وقطع الأديم، وهي: الجلد وعظام الأكتاف، والأضلاع، ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله- صلى الله عليه

<<  <   >  >>