للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جِبريلُ: قال إنَّهما مِن القُرآنِ، فقُلتُ كما قالَ لي جِبريلُ؛ وقول أُبَيٌّ "فنَحنُ نَقول كما قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"، أي: نقول كما قال له جبريل أن المَعوِّذتَينِ مِن القُرآنِ.

وإن صح أن ابن مَسعودٍ -رضي اللهُ عنه- لم يثبت المعوذتين في مُصحَفِه، فإن ذلك لا يعني إنكاره لقرآنيتهما.

[المحور السادس: جواب هذه الشبهة في ضوء رواية البخاري نفسها]

إذا تأملنا رواية البخاري هذه تحقق لدينا ما يلي:

أولًا: أن هذا الأثر قد رواه جمع من الأئمة غير البخاري، منهم الإمام أَحْمَد وَابْن حِبَّان وغيرهما، إذا فالرواية ليست مما تفرد البخاري بروايته.

ثانيًا: أن البخاري صرح بقول أُبَيّ ولم يبهمه.

ثالثًا: أن البخاري أبهم قول ابن مسعود ولم يصرح به كما صرح بقول أُبَيّ، بل رواه مبهمًا، وذلك والله أعلم مما يدلل على إنكار البخاري لهذا القول لكونه مخالفًا لما ثبت من تواتر قراءة ابن مسعود التي أقرأ بها، وهي لا شك تشتمل على المعوذتين، كما أن إنكار المعوذتين كذلك مخالف لما عليه جماهير المسلمين وإجماعهم.

رابعًا: فعل البخاري هذا يدل على فقهه وسعة علمه.

ومما يدلل على ما سبق ذكره- قول الحافظ -رحمه الله- في الفتح-:

هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظ مُبْهَمًا، وَكَأَنَّ بَعْض الرُّوَاة أَبْهَمَهُ اِسْتِعْظَامًا لَهُ .. إلى أن قال: وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد أَيْضًا وَابْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَاصِم بِلَفْظِ: إِنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ لَا يَكْتُب الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفه، وَأَخْرَجَ أَحْمَد عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش عَنْ عَاصِم بِلَفْظِ: إِنَّ عَبْد اللَّه يَقُول فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ إِبْهَام، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَحُكّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفه، وَيَقُول: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَاب اللَّه، قَالَ الْأَعْمَش: وَقَدْ حَدَّثَنَا عَاصِم عَنْ زِرّ عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْب فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث قُتَيْبَة الَّذِي فِي الْبَاب الْمَاضِي، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّار، وَفِي آخِره يَقُول: إِنَّمَا أُمِرَ النَّبِيّ-صلى الله عليه وسلم-أَنْ يَتَعَوَّذ بِهِمَا". (١)

فالبخاري أراد الاستدلال بقول أُبَيّ لا برأي ابن مسعود، ولذا لم يصرح به فأورده عرضًا لَمَّا ساق إسناده، وإن دل هذا على شيء ظاهر، فإنما يدل على أمرين:

الأول: فقهه الإمام البخاري من جهة.

والثاني: على عدم إقراره بذلك من جهة أخرى.


(١) - فتح الباري: (٨/ ٧٤٢).

<<  <   >  >>